غير أن الكتاب يهتم بدراسة جماعة أثرت تأثيرا بالغا في التوجه نحو العمل السري ألا وهي جماعة فرسان الهيكل التي بزغ نجمها إبان الحملات الصليبية، والتي بدأت فرقة عسكرية نذرت نفسها لحماية المملكة الصليبية ورعاياها فإذا بها تنتهي كخطر يتهدد العالم النصراني برمته. لكن القمع الذي تعرض له فرسان الهيكل ما لبث أن أحدث هزات سياسية ودينية واجتماعية عنيفة في قلب أوروبا قبيل “عصر النهضة”، فأدى ذلك إلى نشاط العمل السري والتخفي الباطني وانشقاق الأرض عن “الماسونية” التي تشير المؤلفة إلى أن تلك الجماعات استغلت نقابات عمال البناء واتخذتها واجهة لنشاطها الفكري والفلسفي المدمر لأي منظومة اجتماعية. لكن الصورة ما تلبث أن تتعقد بعودة اليهود إلى المشهد الأوروبي مع إطلالة القرن السادس عشر، وكذلك ظهور حركة أخرى منشأها ألمانيا تُدعى الحركة النورانية أو “الإليوماناتية” وكذلك جماعة “الصليب الوردي” ثم “الثيوصوفية” في بريطانيا، حيث تشير المؤلفة إلى سعي النورانيين بقيادة آدم فايسهاوبت إلى الهيمنة على المحافل الماسونية بصبر وأناة، لكنها تلمح تارة إلى الملمح القومي المحرك لهذه الجماعات بحكم أن النورانية حركة ألمانية سيطر عليها الملك البروسي فردريك الكبير في حين أن أكبر المحافل الماسونية محفل “الشرق الكبير” يقع مقره في فرنسا، وتصرّح تارة أخرى أن هذه المحافل هي التي أوقعت فرنسا في شرور الثورة العارمة عام 1789.
أما في الفصول الثلاث الأخيرة فتستعرض المؤلفة صراعها مع كل من اليهود وحلفائهم الاشتراكيين واليساريين في بريطانيا وتبرز الخطر الناجم عن تفاقم مفاسد المخططات اليهودية التي لا تسعى خيرا لبريطانيا والعالم قاطبة.
من نافلة القول أن المفكر والمؤرخ المصري الراحل محمد عبد الله عنان قدم في أواخر العشرينيات من القرن الماضي كتابا يلخص فيه كتاب نيستا هيلين وبستر ويعرضه بإيجاز، لكن هذا الكتاب الجديد يتسم بالترجمة الكاملة لكتاب تلك المؤلفة. ويشير مترجم الكتاب فيصل كريم الظفيري في توطئته بعنوان “كلمة المترجم” بالثناء إلى كتاب عنان المختصر ولغته الجميلة، على أنه يسرد استفادته من المراجع الحديثة التي عالجت هذا الموضوع وأبرزها مؤلفات المفكر المصري الراحل دكتور عبد الوهاب المسيري.
كتاب “الجمعيات السرية والحركات الهدامة” ما زال يثير جدلا في زمننا الراهن لا سيما عقب تفجر أزمة جائحة الحمة التاجية (كورونا).
This post has already been read 101 times!