التمهيد
انعقدت يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 المرحلة الثانية والأخيرة من انتخابات البرلمان العراقي، بعد انتهاء المرحلة الأولى الخاصة من الانتخابات التي جرت يوم 9 نوفمبر وهي المرحلة المخصصة للقوات الأمنية والعسكرية والنازحين. وجاءت هذه الانتخابات كمرحلة سياسية حساسة وهي السادسة منذ سقوط نظام صدام حسين ومرحلة الاحتلال الأمريكي.
جرت الانتخابات وفقًا للتعديل الثالث لقانون الانتخابات لعام 2018 المعدل سنة 2023، على طريقة القائمة المفتوحة وبالتمثيل النسبي للكيانات المشاركة.
المحور
نسب المشاركة والناخبين والتحالفات
تستمر الدورة البرلمانية لمجلس النواب مدة أربع سنوات، وبلغ عدد المؤهلين للتصويت أكثر من عشرين مليون مواطن عراقي، تم استدعاؤهم إلى صناديق الاقتراع في ثمانية آلاف مركز انتخابي، للإدلاء بأصواتهم في 39 ألف صندوق، لتحديد مصير 329 مقعدًا في مجلس النواب.
عدد المرشحين وصل إلى 7743 مرشحاً ضمن قوائم وتحالفات متعددة، نحو ثلثهم من النساء. وشارك في هذه الانتخابات 75 مرشحاً مستقلاً.
تجدر الإشارة أن الدستور العراقي، يشترط أن التمثيل النسائي في مجلس النواب يجب ألا يقل عن 25 في المئة.
وبحسب بيانات مفوضية الانتخابات العراقية كان هناك 331 حزبًا مسجلاً، و70 حزبًا قيد التسجيل حيث سجلت المفوضية خلال فترة فتح باب تسجيل التحالفات تكوين نحو 70 تحالفًا انتخابيًا.
سجّلت المرحلة الأولى الخاصة من الانتخابات نسبة مشاركة لافتة بلغت 82 في المئة. في حين سجلت المرحلة الثانية قرابة 56% في زيادة ملحوظة عن انتخابات 2021 التي وصلت حينها 41% وإقبال شبابي واضح رغم دعوات المقاطعة.
والملاحظة كان ما يقرب من ثلث المرشحين من النساء، أي أكثر من ضعف عددهن في انتخابات 2021، وبحسب مراقبين اتسمت الحملة الانتخابية وعمليات الاقتراع بالتنظيم.

آلية الاقتراع وفرز النتائج
تجري آلية تقسيم المقاعد البرلمانية وفقًا لطريقة سانت ليغو المعدلة (يصبّ في صالح الأحزاب الكبيرة)، حيث ستقسم الأصوات التي يحصل عليها كل حزب على (1.7 ثم 3 ثم 5 ثم 7..) ليعاد بعدها ترتيب الأرقام من الأعلى إلى الأدنى وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية، حيث سيحصل الحزب على عدد مقاعد مساوي لعدد النواتج التي حصل عليها عند ترتيب الأرقام. هذا ويحصل المرشحين الفائزين بأعلى الأصوات ضمن الكيان الانتخابي على مقاعد ذلك الكيان بأسلوب القائمة المفتوحة.
وجرت هذه الجولة من الانتخابات بحسب التعديل الثالث لقانون الانتخابات لعام 2018 (عدل سنة 2023)، على طريقة القائمة المفتوحة وبالتمثيل النسبي للكيانات المشاركة.
للتذكير، انعقدت انتخابات 2021 السابقة وفقًا للتعديل الثاني من القانون أعلاه، والذي جعل التصويت فرديًا مما يمنع الأحزاب من الاستفادة من أصوات المرشحين الخاسرين، وقد استفادت الكتلة الصدرية أعظم استفادة حينها من ذاك القانون وحققت فوزًا تاريخيًا، حيث قامت بترشيح مرشحيّن اثنين فقط في كل دائرة مما منع تشتت أصواتها، فيما قامت أحزاب الإطار التنسيقي بدفع عدد كبير من مرشحيهم في كل دائرة فتسبب ذلك بخسارة تاريخية لتلك الأحزاب.. وهذا الفوز سبب أزمة سياسية وتوترات دامية استمرت 11 شهرًا حينها لتقوم الكتلة الصدرية (73 نائب) بالانسحاب واستقالة كامل أعضائها من البرلمان ليسارع البرلمان الجديد إلى تعديل قانون الانتخابات والعودة إلى نظام التمثيل النسبي والذي جرت عليه الانتخابات الحالية.
نتائج الانتخابات والكتل الفائزة
أُعلنت النتائج الأولية لتوزيع مقاعد البرلمان العراقي، حيث تصدرت كتلة “الإعمار والتنمية” بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني؛ بـ46 مقعدا (ليس بالعدد الكافي لتشكيل حكومة).. وجاءت بعدها كتلتا “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي و”تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي، إذ تشير التقديرات إلى حصول كل واحدة منهما على 29 مقعداً؛ في حين تحصّل الحزب الديمقراطي الكردستاني و”تحالف صادقون”، على 28 مقعدًا لكل واحد منهما. ونشير أن النتائج الأولية تبقى قابلة للزيادة أو النقصان.
إلى ذلك، قاطع الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر صاحب ملايين المؤيدين، الانتخابات البرلمانية احتجاجاً على شكل الخريطة السياسية الحالية. وبعد انتهاء التصويت، طالب الصدر، بضرورة السيطرة على السلاح الواقع خارج قبضة الدولة، حيث اعتبره “تهديداً للعراقيين”. مؤكدًا أنه يبقى مراقباً ومتابعاً لما يستجد على الساحة السياسية.

آلية إعلان النتائج الأخيرة وحسم المقاعد
بعد إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية، تدخل العملية السياسية في العراق مراحل معقدة تبدأ بالطعون القانونية ولا تنتهي إلا بمباشرة الحكومة الجديدة مهامها.
ويوضح قانون الانتخابات أن النتائج المعلنة ليست نهائية، بل قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية الثلاثية. ومهلة الطعن هي 3 أيام للمرشحين، تليها 10 أيام للهيئة القضائية للبت في هذه الطعون وإعلان النتائج النهائية.
حيث تبقى للمفوضية صلاحية استبعاد المرشحين حتى المصادقة النهائية على النتائج من قبل المحكمة الاتحادية، حيث تزول صلاحيتها بعد ذلك، وهذه الإجراءات القانونية هي أولى المراحل التي تسبق التحرك الدستوري، الذي يقتضي بعد انعقاد البرلمان اختيار رئيسه ونائبيه ومن ثم رئيس الجمهورية ثم رئيس الحكومة.

الخاتمة
مسارات وانعكاسات نتائج الانتخابات
لم تستطع أي كتلة أو تحالف تحقيق أغلبية مريحة تسمح لها بحسم المشهد النيابي وبالتالي تشكيل الحكومة – كالمعتاد في تعقيدات السياسة العراقية والمطلوب ثلثي المقاعد لضمان تشكيل الحكومة- ومع حصول ائتلاف السوداني على العدد الأكبر “46 مقعد” في برلمان من 329 نائب، لن يستطيع تشكيل حكومة بدون الدخول في تحالفات أوسع مع تكتلات سياسية أخرى.
المرجح أن يواجه مخطط السوداني في تولي رئاسة الوزراء للمرة الثانية، ممانعة من تحالفات شيعية أخرى فيما يعرف بالإطار التنسيقي، أبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وكتلة صادقون بزعامة قيس الخزعلي، اللذين حصلا على قرابة 60 مقعدًا، وربما من أحزاب شيعية أخرى.. وسبق أن صرح سياسي بارز الشهر الماضي بأن “الإطار التنسيقي” منقسم بشأن دعم السوداني لتولي ولاية ثانية.
اعتمد السوداني، سياسة تحافظ على توازن دقيق بين حليفي العراق العدوين واشنطن وطهران، ما سبب بعض القلق عند القوى السياسية الكبرى في العراق.
وسبق أن واجه السوداني اتهامات بأن موظفين في مكتبه كانوا مسؤولين عن التنصت على هواتف سياسيين بارزين، وحينها وصفها بأنها “كذبة القرن”.
إن انعدام الغالبية المطلقة أو المريحة في البرلمان، سيعيد المشهد للتعقيد ويدخل الأطراف الرئيسية بسجالات تمتد لأسابيع أو شهور من المفاوضات لبناء كتلة جديدة تسمي رئيس الحكومة.
This post has already been read 206 times!

