• الزيارة تأكيد من دمشق على رغبتها في فتح صفحة جديدة مع السعودية
• الرياض تستطيع تأمين أفضل دعم إقليمي لسوريا الجديدة
تمثل الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، إلى المملكة العربية السعودية، نقطة فارقة ومحورية في المشهد العربي والإقليمي ككل، وتحمل في طياتها دلالات ورسائل خاصة يتوقع أن تأخذ سوريا والمنطقة إلى نتائج وانعكاسات مهمة.
ما قبل الزيارة
قبل أيام وفي اجتماع خاص لقادة الفصائل المسلحة التي أطاحت بنظام الأسد في سوريا يوم 8 ديسمبر الماضي، اختاروا أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية التي قد تستمر لأربعة سنوات، هذا الاختيار كان أول المهنئين عليه خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وكانت أولى قرارات الرئيس الجديد، حلّ مجلس الشعب وكذلك حلّ الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية والجيش، وصدر قرار حظر حزب البعث الذي حكم سوريا منذ عام 1963، وفي انتظار إعلان دستوري يكون مرجعاً قانونياً للبلاد، صدر قرار بإيقاف العمل بالدستور السوري السابق.
توجهات الشرع نحو الرياض سبقها تلميحات عديدة من الرئيس الجديد الذي ولد في السعودية وعاش فيها سنوات طفولته الأولى، حيث أعلن الشرع خلال مقابلة مع قناة “العربية” في ديسمبر الماضي، إنه يتوقع أن يكون للسعودية “دور كبير جداً” في سوريا، ويمكن للرياض أن تستفيد من “فرص استثمارية كبرى” بعد سقوط حكم الأسد، مؤكداً أن المملكة سيكون لها دور كبير في مستقبل سوريا.
وبداية شهر يناير الماضي، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني المملكة كأول وجهة خارجية له بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، ليقوم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بزيارة دمشق أواخر يناير، مؤكداً خلال زيارته وقوف بلاده إلى جانب الإدارة السورية الجديدة ودعمها في مسألة رفع العقوبات الغربية.
كذلك أطلق “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، جسراً جوياً لدعم الشعب السوري الذي يعاني من تراجع الاقتصاد في بلاده.
محركات ودوافع الزيارة
جاءت زيارة الشرع للمملكة مع تركة ثقيلة في سوريا تركها نظام الأسد في بلد محطم اقتصادياً ومتفكك اجتماعياً بعد عقد ونصف من الصراع والحرب، لذلك تلعب الرياض دوراً محورياً في إعادة بناء البلاد والوصول بها لمرحلة الاستقرار الآمن.
وخلال لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أكد الرئيس الشرع، إنه لمس رغبة حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها وضمان وحدة وسلامة أراضيها، وحرصاً على دعم إرادة الشعب السوري”، لتؤكد البيانات الرسمية أن اللقاء تناول خططاً مستقبلية موسعة، في مجالات الطاقة والتقنية، والتعليم والصحة.
البيانات حملت إشارة واضحة إلى دوافع الزيارة المتمثلة بـ”الرغبة في الوصول إلى شراكة حقيقية، تهدفُ إلى حفظ السلام والاستقرار في المنطقة كلها، وتحسين الواقع الاقتصادي للشعب السوري”.
وتبني دمشق الجديدة آمالاً كبيرة على دعم الدول العربية خصوصاً الأشقاء في الخليج لإعادة إعمار البلاد ومعالجة تداعيات الصراع المدمّر، حيث تقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بمئات مليارات الدولارات. وجاءت الزيارة إلى السعودية بعد أيام من زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدمشق، في أول زيارة يجريها رئيس دولة إلى سوريا منذ الإطاحة بنظام الأسد.
الأهمية والانعكاسات
تأتي أهمية الزيارة الأولى التي يقوم بها أي رئيس جديد في أي بلد، كونها تعكس تطلعات وأهداف النظام الجديد الذي يقود تلك البلاد وأهمية البلد الذي سيزوره.
واليوم تعمل دمشق والرياض على تعزيز العلاقات في مرحلة ما بعد الأسد، مع تأكيد دمشق عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية.
وتلعب الرياض دوراً مهماً في عودة سوريا الجديدة إلى الصفّ العربي ودمجها في الساحة الدولية، وتستفيد الرياض بشكل مباشر من إرساء الاستقرار في سوريا الجديدة، من منظور واقعي وأخلاقي بذات الوقت دعماً للأشقاء وملء الفراغ الذي تركته إيران في سوريا بعد أن أصبحت طهران خارج المشهد السوري، ما أضعف نفوذها العام في المنطقة”.
من أهم الإشكاليات السابقة في عهد نظام الأسد كانت تجارة المخدرات القادمة من سوريا إلى دول الخليج، والتي كانت عنصراً مزعزعاً للأمن الإقليمي، وهو ملف تراهن المملكة على انهائه دون نسيان خروج إيران من سوريا والذي يعتبر انتصاراً استراتيجياً للمملكة في ظل توترات المنطقة.
تؤكد الزيارة ضمنياً أهمية المملكة العربية السعودية في المنطقة باعتبارها وجهة رئيسية أولى للقيادات الجديدة (فعلها ترامب في ولايته الأولى، وكذلك نلحظ أن أولى زيارات سمو أمير الكويت وولي عهده ورئيس الوزراء تكون للمملكة)، مستمدة ذلك من ثقلها الإقليمي والإسلامي والعالمي، واليوم الشرع يتوجه الرياض في رسالة لعودة دمشق إلى المحور العربي وتوافقها مع توجهات الرياض التي باتت قبلة عالمية يتوقع أن يتوجه لها الرئيس ترامب في أول زيارة رسمية خارجية له في ولايته الثانية.
تدرك القيادة السورية الجديدة أن عودتها للصف العربي بعيداً عن المحور الإيراني، يسمح للمملكة بدعهما على مستويات متداخلة على رأسها الدعم السعودي المباشر لدمشق على كل المستويات، حيث تستطيع الرياض تأمين أفضل دعم إقليمي لسوريا الجديدة، فلو قررت الرياض دعم دمشق ينتهي أي تحفظ إقليمي أو تردد.
ولابد من تذكر تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، حول “تنسيق الجهود لدعم سوريا والسعي لرفع العقوبات عنها”، ما يؤكد رغبة الرياض في لعب دور محوري في تخفيف العزلة الدولية والعقوبات المفروضة على البلاد، ومعروف مدى تأثير المملكة في واشنطن.
أما سياسة المحاكاة فهي تجربة تسعى دمشق لاستنساخها للاستفادة من مبادرات مثل “رؤية المملكة 2030″، في مجالات إعادة الإعمار والبنية التحتية.
واستقبال الرياض للقيادة السورية الجديدة رسالة ضمنية مباشرة أن دمشق لم تعد تشكل تهديداً أمنياً أو استراتيجياً لدول المنطقة، خصوصاً المنظومة الخليجية، مع سعي سعودي معلن أن يكون النظام السياسي الجديد قريباً من السوريين أنفسهم، ويحقق لهم حياة كريمة، ويعيدهم إلى بلادهم بدل تحكم الغرباء بها.
عموماً يعكس التحرك السعودي سياسة إقليمية تهدف إلى احتواء سوريا وإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية، بالشكل الذي يخدم المصالح العربية ويقلل اعتماد دمشق على الحلفاء التقليديين مثل إيران وروسيا، لذلك فالرياض قريبة جداً من تطورات الأحداث في سوريا، والدبلوماسية السعودية تعمل بجهد للحصول على اعترافات عربية وغربية والمزيد من رفع العقوبات المفروضة على دمشق.
This post has already been read 177 times!