بعد المرسوم الأميري بتعيين سمو الشيخ أحمد النواف الصباح رئيساً لمجلس الوزراء، تسارعت التغييرات الشعبية، على مستوى ممثلين الأمة، فكانت مخرجات الشعب بمثابة رد التحية بأحسن منها، فهناك تغيير في رئاسة مجلس الأمة، وتغيير في كثير من النواب الذين كانوا يبحثون عن مجدهم الشخصي، ومع هذه التغيرات التي نعتبرها استثنائية في هذا التوقيت الذي فقد فيه الشعب الكويتي الأمل في عملية الإصلاح، إلا أن الكويت تنفست الصعداء على الأقل بالتصريحات والتسريبات الإصلاحية، التي تنوي الحكومة بالتعاون مع مجلس الأمة إقرارها والعمل عليها، ونحن نثق بنوايا سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف، ونجزم بأنه رجل إصلاحي ويريد الإصلاح لهذا البلد، الذي كسرته معاول الفساد والمفسدين، لكن النوايا شيء والنتائج شيء آخر، فالشعب الكويتي وكل من ينظر لهذا البلد إنما يكون حكمه وانطباعه على النتائج لا النوايا، فالنية وحدها ليست كافية في تقرير مصير دولة وشعب في التنمية والإصلاح والنهضة.
ومما يؤخذ على الحكومة والمجلس من ملاحظات التي إن بقيت كما هي فإنها ستعيدنا إلا المربع الأول ومن ثم قطع الأمل مرة أخرى في عملية الإصلاح، ومن هذه المآخذ:
– بطء حركة الإصلاح ووجوده على أرض الواقع، فمنذ تعيين سمو الشيخ أحمد النواف رئيساً لمجلس الوزراء إلى هذه اللحظة لم نلتمس إصلاحاً على أرض الواقع وكل ما هناك هو تصريحات إيجابية لا تتعدى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها تسريبات، ومن يراقب محيطنا الخليجي يجد أن عجلة الإصلاح تسير في تسابق مع الزمن إلا أنه (الإصلاح) عندنا لا زال في إطار التصريحات ولا شيء على أرض الواقع، فمن المفترض وفق هذه الإمكانيات التي تملكها الحكومة وكذلك الدعم الشعبي، أننا الآن نرى مشارف المشاريع التنموية على أرض الواقع.
– ضبابية مشروع التنمية الحكومي، وضبابية موقف النواب من ذلك المشروع، فعندما قدمت الحكومة مشروع عملها التنموي (الذي لا يرقى لأن يكون مشروع دولة) إلا أننا كشعب رضينا أملاً في وجود أي عمل إصلاحي، ومع ذلك لازالت الضبابية تخيم على هذا المشروع، ولا زالت ثقتنا في تحقيقه مزعزعة، فما نشاهده من اختيار الوزراء وفق النمط والرتابة المعتادة، لا يبشر بأي عمل تنموي وكأن الحكومة لا ترى إلا أسماء معينة لاختيارهم في مناصب وزارية، مع علمنا ويقيننا أن أكثرهم لا يستطيع إدارة (دكان) فضلاً عن أن يحقق مشروع تنموي حكومي متعلق بدولة وشعب.
– التركيز في المكان الخطأ، فالحكومة منذ قدومها إلى هذه اللحظة تركز على جانب الترفيه، وقد أخذت بعض الإجراءات السريعة لتوفير أماكن ترفيه للشعب ولسرعة هذا الإجراء نتج عنه مكان بحجم حديقة صغيرة فيها بضع عشر لعبة يفترض أن يكون لدولة وشعب ومقيمين تجاوز عددهم الـ4 ملايين نسمة، وهذا إن دل إنما يدل على أن الحكومة تعمل بعقلية الأب مع أطفاله الصغار، الذين يشكون له ضيق خاطرهم فيسارع في جلب ما يمكن أن يفرحهم، وهذا لا يصلح في مشاريع الدول، وهو نوع من أنواع التركيز في المكان الخطأ، فالترفيه مشروع متكامل لا يُحل بمنتزه صغير، ولو كانت الحكومة تركز في المكان الصحيح لرأينا قرارات مختلفة وأكثر واقعية من مثل هذه القرارات السريعة.
– غياب الملفات المهمة للتنمية والارتقاء بالوطن، فالحكومة وكذلك مجلس الأمة بنوابه ليس عندهم ملفات تتعلق بالارتقاء بالدولة ونهضتها، وكل ما هو متداول ملفات تتعلق بأشخاص أو شخصيات (رغم أهميتها) لكنها لا تتعلق بالإصلاح ولا التنمية لا من قريب ولا من بعيد، فالدول المحترمة تضع ملفاتها ورؤيتها على طاولة الشعب، وتحدد وجهتها في التعليم والصحة والسياحة والإسكان والدخل وغيرها من الملفات، وتلتزم التزاماً كاملاً بمدة زمنية معينة غير مبالغ فيها بتنفيذ هذه المشاريع، ومع تأخرنا الكبير عن محيطنا يحق لنا أن نقول أن تنفيذ هذه المشاريع يجب أن لا يتحاوز خمس سنوات على أبعد حد، ونحن حتى اللحظة لا ندري عن وجهة الحكومة ولا نعلم عنها شيئاً.
– ضياع البوصلة في مجلس الأمة، فمن المفترض أن يكون لمجلس الأمة أولويات عليا في الإصلاح وانطلاق عجلة التنمية، إلا أننا نتلمس ونرى فوضى في داخل أروقة المجلس وفي تصريحات النواب، فلا أولويات يمكن أن نتحسسها وكل ما هناك انتظار نيابي (لبعض النواب وليسوا قليل) لخطوات الحكومة، مع ترقب وترصد وتحسس ورقة الاستجواب، والتأكد من وجودها، حتى تكون هذه الورقة المحور الرئيسي في برنامجه الانتخابي القادم، وهذا ليس عمل أناس جاءوا لإصلاح بلد وانتشاله مما هو فيه من الفساد والتأخر وضياع التنمية، وبناء على ما ذُكر تحولت لجان مجلس الأمة من دراسة القوانين الإصلاحية وإقرارها إلى مراقب (مباحث مخفر) لتعيينات الوزارة القيادية وغير القيادية وصارت لجنة برلمانية بأعمال مندوب نقل وتثبيت وتعيين موظفين.
ورغم هذا كله، فمن تجرع مرارة اليأس فإنه يفرح بقليل من الأمل، فتصريحات الحكومة بالإصلاح جعلت الكويت تتنفس الصعداء رغم أنها مجرد تصريحات.. وللحديث بقية.
This post has already been read 124 times!