- خلا من وضع حلول لقضايا متراكمة كالقضية الإسكانية وتنويع الموارد وتعديل “خلل التركيبة” وأزمة “البدون”
- الحكومة تحدثت عن “اختلالات الاقتصاد الهيكلية” وصمتت عن الخطط العلاجية لتلافيها
- انتقدت انخفاض إنتاجية القطاع العام ولم تقدم آليات تحول دون الانزلاق أكثر في ضعف الأداء الاقتصادي
- أقرت بتدني مستوى التعليم وفشلت في تأطير سبل إصلاح المنظومة وتطوير المناهج ورفع مستوى أهل الميدان
- المتطلبات التشريعية لتنفيذه غابت… وأطلّت “الضرائب” و”الدين العام” من باب مسؤوليات وزير المالية
- تصريح وزير المالية الأخير بشأن “إلزامية الضرائب” تؤكد صحة التوجه لفرضها رغم عدم ورودها الصريح في البرنامج
- البرنامج نال حظا وافرا من النقد النيابي والشعبي بوصفه “اقتراحات مجردة” بلا ضوابط استراتيجية وقانونية تضمن تحقيقه
- النواب مسؤولون عن تفنيده وإجبار الحكومة على وضع برنامج يستجيب لمتطلبات الكويت سياسيا واقتصاديا وشعبيا وأمنيا.
اتسم برنامج عمل الحكومة الجديدة للفصل التشريعي الـ16 للسنوات من 2021/2022 إلى 2024/2025 الذي قدمته إلى مجلس الأمة أخيرا، لاطلاع النواب عليه وإخضاعه للمناقشة، ليكون مسطرة قياس أدائها في المستقبل، اتسم بالحشو الزائد عن الحدّ، لجهة العبارات الفضفاضة التي يزخر بها، والكلام العام الخالي من آليات التنفيذ أو الممد الزمنية الكفيلة بإنزاله من سماء التنظير إلى أرض الواقع، ناهيك عما اعترى البرنامج من عيوب يصعب إغفالها، من شاكلة عدم تنصيصه على “المتطلبات التشريعية” اللازمة لتنفيذه، فيما اكتفت الحكومة بالتعليل بأن أي تشريعات خاصة لكل محور من محاوره تتم مناقشتها مع اللجان المعنية بمجلس الأمة وتقديمها بعد اعتمادها من لجنة متابعة البرنامج، مما يجعله محض “كلام عائم” و”سوالف ضحى” هائمة في الهواء.
ورغم الغياب البارز لموضوعات «الضرائب» و«الدَّين العام» و«إعادة النظر في أسعار الخدمات» التي لم تكن الحكومة تتورع عن ذكرها صراحة في كل برنامج من برامجها السابقة، فإنها كانت حاضرة ومبذولة «بين السطور» بشكل عام، في المهام والمسؤوليات التي ألقاها البرنامج الحالي على وزير المالية، ويمكن ملاحظتها بشكل جلي من خلال عبارة وردت في البرنامج، مفادها «مراجعة الخدمات العامة وتحسين قدرات إدارة الضرائب، وتنفيذ استراتيجية التخصيص”.
وسرعان ما أكد وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار عبدالوهاب الرشيد (القبس 10 يناير 2022)، صحة المزاعم التي قوبل بها البرنامج، لجهة توجهه لفرض ضرائب على الناس، رغم عدم ورودها صراحة في البرنامج، إذ خرج الوزير وبيّن بعبارات لا لبس فيها، وقال إن الحكومة عازمة على المضي في فرض الضرائب بشقيها (الانتقائية وضريبة القيمة المضافة)، مشددا على أنها “التزام دولي” لا تقوى الدولة على القفز عليه، كما أوضح بقول صريح آخر أن قانون الدين العام “ضرورة لتمويل عجز الموازنة”.
برنامج سياسي أم إصلاحي؟
يقول رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد في مقدمة برنامج عمل حكومته المكون من 28 صفحة، إن رؤية 2035 التي تتبناها الدولة مستمرة في تحقيق المستهدفات والمنجزات وفق توجيهات سمو أمير البلاد، وما تضمنه النطق السامي أثناء افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الـ 16 للمجلس.
وأضاف الخالد أن البرنامج الذي وُضع له عنوان «استدامة الأمان الاجتماعي رغم التحديات» جاء ليؤكد حرص الحكومة على المضي قدماً في اتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة لتعزيز النمو الاقتصادي والاستدامة المالية والتنمية الاجتماعية والرعاية الصحية التي تعزز رخاء المواطنين عبر تنفيذ برامج إصلاحية، وإطلاق استراتيجية وطنية محورها الأسرة الكويتية باعتبارها أساس المجتمع، رغم التحديات الصحية للجائحة التي مازال العالم يعاني آثارها وخطورة سلالاتها المتحورة، وما ترتب عليها من قيود أمام نمو الأسواق العالمية وتقلبات في أسعار النفط وتباطؤ التعافي الاقتصادي والمالي العالمي على نحو ألقى بظلاله على أداء الاقتصاد الوطني.
وبيّن أن البرنامج يتكون من أربعة محاور رئيسية تتمثل في:
ـ تنفيذ برنامج استدامة
ـ إعادة هيكلة القطاع العام
ـ تطوير رأس المال البشري
ـ تحسين البنية التحتية وتوظيف الطاقات المتجددة
ولفت إلى أن كل محور تندرج تحته مجموعة من المبادرات التنفيذية ببرامجها الزمنية والمستهدفات والمؤشرات والمسؤوليات وتتم متابعتها بصفة دورية عبر “حوكمة” محددة بإشراف لجنة برنامج عمل الحكومة التابعة لمجلس الوزراء.
لكن عند مقارنة ما جاء في مقدمة الخالد بما ورد في البرنامج، يتضح أن ما يقال ليس سوى “صياغات لغوية” يتضمنها “كلام سياسي” مُصاغ بطريقة تستهدف التهدئة ودغدغة الشعور وضمان منع التصادم مع النواب، لا “برنامجا إصلاحيا” باستراتيجية اقتصادية ومالية محكمة، تُخرج البلاد من وهدة الأزمات المتلاحقة التي حاقت بموازنتها العامة وأوردتها موارد العجز المزمن!
غياب القضايا الجوهرية
واللافت في برنامج العمل الجديد، أنه جاء خالياً من قضايا محورية لطالما شغلت الرأي العام وتردد صدى شكوى المجتمع من تراكماتها المقلقة باعتبارها تحديات تواجهها الكويت منذ فترات طويلة، مثل القضية الإسكانية وتنويع موارد الاقتصاد وتعديل التركيبة السكانية وأزمة “البدون” المستفحلة، وغيرها من التحديات.
وما ينطبق على موضوعات تلك التحديات، التي صمت البرنامج حيال ابتكار سبل لمعالجتها بشكل حاسم، ينسحب على محاور البرنامج الأربعة التي قالت الحكومة إنها “تمثل تحديات” رئيسية، تتعلق بـ:
1 ـ اختلالات هيكلية في الاقتصاد الوطني والمالية العامة
حيث اكتفت بالتحذير من أن “كلفة الإصلاح المالي والاقتصادي ستتفاقم في حال التأخر في المعالجة”، بيد أنها لم تذكر شيئاً واحداً عن خططها العلاجية، وتركت باب ذلك موارباً، بأن منحت وزير المالية تفويضاً لاجتراح الحلول!
2 ـ انخفاض إنتاجية القطاع العام
وفي هذا التحدي، بينت الحكومة أن “ارتفاع مستوى مشاركتها في تقديم الخدمات يحول دون مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية”، في حين سكتت عن الآليات والسبل التي تريد اتباعها للحيلولة دون الانزلاق أكثر في ضعف الأداء الاقتصادي الذي يحرم الدولة من تنويع مصادر دخلها عوضاً عن الاعتماد التام على النفط كمصدر وحيد مهدد بالنضوب.
3 ـ ضعف رأس المال البشري
وهنا، أعادت الحكومة التأكيد أن “مستوی خریج الصف الثاني عشر يكافئ مستوى خريج الصف السابع في دول متقاربة الدخل مع دولة الكويت”، إلا أن الحكومة أحجمت، في هذا التحدي بالذات، عن الحديث عن أي إصلاحات تطال العملية التعليمية، رغم إقرارها في لبّ برنامجها المطروح حاليا، أنها تعاني من مستويات متدنية، حيث لم يتطرق البرنامج الى أي إصلاح للمنظومة التعليمية، عبر: تطوير جودة المناهج، ورفع مستوى مهنة التدريس، وتحسين مخرجات التعليم، وما يستتبع ذلك من ضرورة لوضع خطة زمنية للارتقاء بالتعليم، ووضع قوانين وتشريعات فعالة لإنفاذ الخطة، ناهيك عن رصد الميزانيات المطلوبة لتحقيق ذلك، ما يقود الى الاعتقاد بأن التعليم آخر ما يشغل هذه الحكومة!
4 ـ تدني كفاءة البنية التحتية وعدم التناغم بيئياً
وغني عن البيان، أن تراجع الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، ناجم عن العجوزات المتتالية التي أصابت ميزانية الدولة على مدى سنوات، وقد كانت الكويت رائدة في المنطقة بمثل هذه المشاريع، القائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكن الدولة عجزت باستمرار، عن تنفيذ مشاريع مخططة سابقا بين القطاعين، مما يعكس “عقبات سياسية” وسوء تخطيط وفشل إدارة، التي تواجهها الجهات المخططة.
استنساخ حرفي
واللافت في البرنامج الحكومي الحالي، أنه مستنسخ حرفيا تقريبا، من برنامجها السابق الذي أحالته إلى مجلس الأمة في 7 أبريل 2021، والذي احتوى أيضا على 4 تحديات رئيسية، حملت العناوين ذاتها، وهي: اختلالات هيكيلة في الاقتصاد الوطني والمالية العامة، انخفاض إنتاجية القطاع العام، ضعف الرأس المال البشري، تدني كفاءة البنية التحتية وعدم التناغم بيئيا.
لكن الفارق بين البرنامج المُستنسخ والذي سبقه، أن ما قدمته الحكومة العام الماضي كان يحتوي على 12 متطلبا تشريعيا دعت إلى ضرورة إقرارها، وهي:
ـ مشاريع بقوانين الخطة الإنمائية (2020/2021-2024/2025)
ـ إعادة هيكلة أجور القطاع العام (البديل الاستراتيجي)
ـ تعديل قانون الانتخابات
ـ إقامة الأجانب
ـ تعديل قانون المرور
ـ التمويل العقاري
ـ قانون الدين العام
ـ تعديل قانون إعداد الميزانية العام
ـ الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق
ـ الضرائب الانتقائية
ـ ضريبة القيمة المضافة
ـ الإجراءات الضريبية الموحدة
لكن جميع هذه المتطلبات نزعتها الحكومة من برنامجها الجديد، في خطوة تنمّ عن مخاوفها الدفينة من “هجوم شعبي” عليها، أو الاصطدام مع نواب لطالما هددوا بالتصعيد إذا ما احتوى البرنامج على بنود تؤدي إلى فرض ضرائب أو رسوم تمسّ جيوب المواطنين أو تهدد أرزاقهم.
الشاهد، أن البرنامج الحكومي المزمع تنفيذه خلال السنوات من 2021/2022 إلى 2024/2025، لم يسلم من الهجوم عليه، من مختلف طبقات المجتمع السياسية والشعبية، ونال حظا وافرا من الانتقاد النيابي ومن دوائر النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه كثيرون بأنه لا يرقى إلى وصفه بـ”برنامج عمل” تتخذه حكومة عصرية، بقدر ما هو اقتراحات أو رغبات مجردة، تفتقر للضوابط الاستراتيجية والآليات القانونية المحكمة الضامنة لنفاذه وتحقيق أهدافه بدقة.
هجوم نيابي وشعبي
الشاهد، أن البرنامج الحكومي المزمع تنفيذه خلال السنوات من 2021/2022 إلى 2024/2025، لم يسلم من الهجوم عليه، من مختلف طبقات المجتمع السياسية والشعبية، ونال حظا وافرا من الانتقاد النيابي ومن دوائر النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه كثيرون بأنه لا يرقى إلى وصفه بـ”برنامج عمل” تتخذه حكومة عصرية، بقدر ما هو اقتراحات أو رغبات مجردة، تفتقر للضوابط الاستراتيجية والآليات القانونية المحكمة الضامنة لنفاذه وتحقيق أهدافه بدقة.
وعاب هؤلاء على البرنامج، خلو ديباجته من الاستحقاق الأبرز المتمثل في “مكافحة الفساد وحماية المال العام”، كمطلب شعبي شديد الأهمية، يعتلي سلم الأولويات القصوى لأي برنامج عمل حكومي في البلاد، في ظل تفشي ظاهرة الفساد وتمددها وسط مظاهر من عدم قدرة الدولة على لجمها.
ورأى هؤلاء أن البرنامج الحالي تغلب عليه “الشعارات المحلقة في الهواء”، التي ظلت تلوكها الحكومات المتعاقبة لسنوات طوال، بلا استهدافات تلامس متطلبات المرحلة التي نعيشها وما تموج به من تحديات ومخاطر.
واقترح بعضهم على النواب، التصدي لهذا البرنامج وتفنيده بوضع الملاحظات المكتوبة على جميع بنوده، وإجبار الحكومة على وضع برنامج عمل يستجيب لمتطلبات الكويت سياسيا واقتصاديا وشعبيا وأمنيا، ولا ضير في الاستئناس بتجارب دول خليجية شقيقة كنا سابقيها فسبقتنا بأشواط واسعة في مضمار التنمية البشرية والرفعة الاقتصادية.
This post has already been read 100 times!