– مؤشرات عدم الاستقرار تزداد وضوحا واهمالها نتائجه كارثية.
– الشارع والجمهور هو الحكم والفيصل ونبضه يعكس وجود الأزمة وتجذرها.
– الأزمات السياسية محرك رئيسي للسخط الشعبي وثقة الشارع بالحكومات متراجعة وتعتبرها مؤقتة.
– صدامات البرلمان والحكومة يعزز صورة اللااستقرار ويستوجب حلولًا تأسيسية لمرحلة قادمة.
– مؤشرات الشفافية منخفضة والفساد مستشر في مختلف المؤسسات في منحى خطير
– المراجعة الشاملة للمشهد السياسي ككل باتت ضرورة حتمية عبر تعديل القوانين الناظمة وعلاقات السلطات.
– الاقتصاد وفرص العمل وتوزيع الثروة من هموم المواطن العادية والمتكررة.
– جميع الأيدي يجب أن تعمل وحقها أن تعمل وتحقق عيشًا كريمًا.
– يلاحظ أن طرق تشكيل الحكومة من مسببات التأزيم ما يُوجب مراجعة وتعديلات.
عاشت الكويت العديد من مظاهر و صور عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات التي جاءت نتيجة مباشرة للاختلالات الاقتصادية ومعوقات الإصلاح وإبعاد كل كيان يسعى لتفعيل عملية الإصلاح و تجسيدها في الواقع، و الأهم من ذلك كله هو استفحال ظاهرة الفساد السياسي، والمالي، الاقتصادي وصولًا للفساد الاجتماعي.
كما تزداد مؤشرات تأزم المشهد العام في الكويت، بشكل يجب على صانع القرار عدم إهمالها تجنبًا لأي مخاطر أو منزلقات مستقبلية لا تُحمد عقباها.
وإن تعددت مظاهر الأزمة وأبعادها، فما يهمنا هنا هو ثنائية المشهد السياسي والشارع الكويتي ومدى التناغم بينهما ومدى الرضا الشعبي عن مجمل المشهد وما أسباب الانزعاج والغليان ومحركاته وما أهم الحلول المقترحة الواجب تنفيذها.
أولًا: محركات ودوافع الأزمة شعبيًا
إن تجولًا سريعًا في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت يظهر مدى انزعاج الشارع وتململه من مختلف المتغيرات السياسية، وان كانت دراسة الرأي العام تستوجب مزيدًا من العينات والدراسات المسحية والاستبيانات للوصول إلى نتائج أكثر دقة وأوضح وأشمل.. لكن ما يهم بداية هو استظهار الخطوط العريضة لأسباب غضب الشارع الكويتي ودرجة هذا الغضب وتأثيراته.
وتعتبر الأزمة السياسية محركًا رئيسيًا للسخط الشعبي حيث تعكس الخلاف والتوترات المتكررة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية رؤية متشائمة للشارع عن قدرة السلطات على حل مشاكل البلاد وبعث أمل في جيل الشباب وعموم الشعب حول مستقبل أفضل للدولة وشعبها في ظل ارتفاع مستويات القلق عالميًا لمواجهة تحديات المستقبل التي تتمثل بنقاط أهمها:
- تأمين فرص عمل كريمة للجميع وتعزيز قدرة الشعب عليها.
- مشاريع حضرية وإسكانية لمختلف الفئات وتعزيز الخدمات المجتمعية.
- الأمن المجتمعي والرعاية الصحية وما يتقاطع معها
- تعزيز مشاركة الشارع بإدارة الدولة.
- ضمان الاستقرار المجتمعي ومعالجة الإشكاليات العميقة.
- تنويع مصادر الاقتصاد لضمان رؤية مستقبلية أفضل.
١. الفساد والاقتصاد:
إن اعتماد الاقتصاد على النفط كمدخول رئيسي سبب تراكم الأزمات التي تتعلق بقدرة الدولة على ضمان توفير فرص العمل الكويتين والمحافظة على مستوى الخدمات المقدمة.. خصوصًا وأن عجز الميزانية تفاقم وازداد عبء القروض على الحكومة (قبل ارتفاع الأسعار النفطية بعد حرب أوكرانيا أخيرًا والذي يجب استغلالها).
من زاوية أخرى نلحظ شكاوى فعلية من تفشي ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة بالتوازي مع انخفاض الكفاءة في الدوائر الحكومية دون المستويات المطلوبة.. ويؤكد ذلك انخفاض تصنيف الكويت في مؤشرات منظمة الشفافية العالمية.
بالتوازي مع ذلك، تُظهر لنا كواليس المشهد الشعبي انطلاقًا من النواب ووصولًا لقواعدهم في الشارع، وجود أزمة في توزيع الثروة بشكل غير منصف التي يرى فيها البعض محاباة لمصلحة كبار التجار الذين شكلوا لوبيات وجماعات ضغط استأثرت بمختلف المكاسب.
بالتدقيق في أبرز دوافع الفساد وأسبابه البعيدة والمباشرة التي تتداخل مع مظاهره بحيث يتماهى السبب والنتيجة كحالة مركبة في الكويت، نصل إلى:
أ. الجدل حول النظام الانتخابي ودوره في تعميق الفساد مؤثرا ومتاثرًا في مختلف المستويات السياسية.. والذي يقود لجزئية أخرى تتعلق بعوامل المواطنة وتداخل الولاءات القبلية والمناطقية وغيرها.
ب. يبعث استغلال السلطة وامتيازاتها للوصول إلى الفساد وتجذّره في مختلف الممارسات كحلقة مفرغة لا تُعرف بدايتها.
ت. ضعف قدرة مؤسسات الدولة على التحرك الرقابي الإداري الفاعل ما عزز مظاهر المحسوبية والرشى وغياب المسائلة وهي إشكالية تشترك بها كل السلطات.. بالتوازي مع غياب شفافية الحكومة السياسية والقانونية. (أي يجب محاربة هذه الظواهر التي من شأنها المساس بالبناء الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي للدولة بشكل غير مرغوب)
٢. الاستقرار وأزمات السياسة:
في العمق، يجدر التنبيه لقضية بالغة الأهمية: الاستقرار السياسي، حيث تسببت الاستقالات المتعاقبة للحكومات الكويتية وأزمات البرلمان-الحكومة التي أعقبت أزمات في الحياة المعيشية للمواطنين ما رفع من حدّة السخط في الشارع على الحكومات من زاوية واحيانًا على بعض تيارات البرلمان؛ حيث يريد الشارع تحقيق متطلباته مع المحافظة على مكاسبه السابقة (والتي يفاخر بها إقليميًا).
وفي وضع الحكومة الأخيرة تسبب اختيار الشيخ صباح لبعض أعضاء حكومته المكررين واللجوء لبعض القرارات والتصرفات (برنامجها الذي ترى أنه يقتصر على زيادة نسبة الضرائب والخصخصة، ورفع الدعم عن الخدمات الحكومية) التي قادت لارتفاع نسب عدم الرضا لتضاف على مستوى السخط على المشهد السياسي.
ثانيــًا: مقترحات وحلول
لمواجهة الأزمة تحتاج السلطات للعمل على شقين متوازيين في سبيل الوصول إلى حل يحافظ على الاستقرار ويمنع تفاقم الأوضاع:
- استهداف الجماهير والرأي العام.
- مراجعة القوانين السياسية وإجراءات الحكم.
- مراجعة شاملة لـ اللعبة السياسية:
يراد بها توصيف دقيق لمكامن المشكلة السياسية التي قادت للتأزيم وتفسيرها وتحليلها بشكل دقيق -كما أشرنا بشكل مجمل أعلاه- للتوصل إلى حلول جذرية.
ضمن الخطوط العريضة التي تستوجب مراجعة وحل:
- أزمة البرلمانات المتكررة بحيث يتم ضمان بقاء رقابة البرلمان دون ارتهانه للمناكفات السياسية المسببة لاستقالة حكومات متعاقبة.
في هذه النقطة نجد أن آلية الاستجوابات والمراقبة تسببت ببعض السلبية التي يمكن إرجاعها لإساءة استخدام أدوات الرقابة أو عدم اكتمال التجربة الديمقراطية من جهة.. وضعف الحكومات البنيوي أمام الاستجوابات البرلمانية.
- البناء الحكومي وآليات التأسيس واختيار الحكومة، والتي تعتبر من أهم مسببات التأزيم الذي أشرنا له والتي – بطبيعة الحال تقود لصدامات حتمية مع البرلمان
فنتيجة آلية اختيار اعضائها أولًا، وتصرفاتها التي تستجلب غضبًا برلمانيًا ينتقل من وإلى الشارع.
- العمل السياسي: حيث يعاني المشهد الكويتي من غياب قوانين تنظم عمل التيارات السياسية وتقولبها ضمن كيانات رسمية
كالجمعيات السياسية مما يؤدي إلى إحياء تكتل الكتل في البرلمان مثلًا، فتسمح بتحقيق نقلة سياسية واختراق في حالة التأزيم السياسي برلمانيًا/ حكوميًا عبر حلّ قضية تشكيل الحكومة وتوزع نواب البرلمان ونذكّر هنا بأن الشعب الكويتي يدرك أهمية الانتخابات البرلمانية والذي نجد انعكاسه على نسب المشاركة في التصويت بحسب المزاج الشعبي يرتبط بأداء النواب ووضوح برنامج الحكومة وخططها.
- الغضب الشعبي: الذي يتقاطع مع الأزمات السياسية
وارتفاع الفساد واستشراء المحسوبية فيزداد بعد كل أزمة رافعًا نسبة السخط في الشارع، الذي يريد واقعًا معينًا ويجد آخر فتزداد مؤشرات التعارض والتوتر لا سيما عند الشاب الكويتي الباحث عن تحقيق ذاته وقيمه المجتمعية والمراقب لمختلف المتغيرات العالمية والساعي بعد ذلك لتغيير الواقع بكل الطرق الممكنة ما يفتح الباب أمام دخول أفكار من الخارج والداخل تؤثر وتتحكم في هذه السيرورة.. فتحولت الاحتجاجات والمسيرات إلى ظواهر متكررة وواقعًا ملموسًا في المشهد الكويتي للمطالبة بالاصلاح.
لذلك كله نقترح ما يلي:
١. يجب التركيز على حركة الجماهير والشارع عبر تفعيل دور الإعلام والاتصال والمتابعة الدورية لكل هموم الشارع خصوصًا فئة الشباب والتي يجب على السلطات وضع خطط بعيدة المدى تستثمر في طاقاتهم من جهة وتملأ الفراغ الذي يعيشونه من خلال توفير فرص عمل مناسبة ووضع خطط تقضي على البطالة التي ترتفع نسبها في المجتمع (قد يقدّم المركز ورقات خاصة حول اقتصاد البطالة وخطورته ومعالجته وورقات أخرى تتعلق بحركة الشارع وطرق التحكم والتوجيه المناسب دون إفراط أو تفريط). ولذلك من الممكن قيام جهات مختصة بعمل استبيان شهري إلكتروني يقيس مدى رضا المواطنين عن مختلف مؤشرات الأداء الحكومي والبرلماني يتم دراسته دوريًا لمعرفة نبض الشارع من جهة وتصدير بعض نتائجه الجماهير وإشعارها بأهمية صوتها (حتى لو يتم الالتزام بمختلف رؤاها حيث من المعلوم أن الرضا الشعبي التام مستحيل التحقق فالشعب يكون لتحقيق رضا عام).. ونشير أن قطاعًا عريضًا من الشعب فقد الثقة بالحكومات المتعاقبة لأنها يراها حكومات مؤقتة تتغير بشكل سريع ومفاجئ يمنع أي خطط إصلاحية أو استقرار مع تراجع أداء حكومي مطرد في كل حكومة حديدة وكذلك الحلّ المتكرر لمجلس الأمة، ما جعل أدوات العلاقات السياسية غير مستخدمة بطرقها الصحيحة، بل دون أدنى فهم لكيفية تفعيلها.
وللتذكير واستشعارًا بأهمية الرأي العام ومراقبته وتفعيل دور المستشارين والمختصين في هذا الخصوص، فإن نتائج الغضب الشعبي تتراكم ببطء (سلوك المشاعر الجمعية للجماهير وهي لا تظهر دفعة واحدة وتبدو مباشرة في سطح المشهد، لذا نجد كثيرًا من القيادات غير قادرة على استشعارها حتى تأتي لحظة الانفجار في حين أنها تحتاج متابعة دورية.
٢. الاقتصاد والسياسة: التركيز هنا على قضية توزيع الثروات بحيث يجب التخفيف من سطوة كبار رجال الأعمال التي تضخمت وظهرت بشكل لم يعد ممكنًا اخفاؤه والتي تتعاون مع الحكومة وتتدخل في البرلمان لذلك يجب تخفيف هذا الظهور أمام الشارع إن لم يكن ممكنًا إعادة ترتيب أوراقه، والتخفيف يكون عبر إجراء بعض التغييرات السياسية التي تخفف الاحتقان وتظهر السلطات بمظهر المنفتح أكثر على تطلعات الجماهير ورغبات الشباب وذلك من خلال:
- تعديل آليات اختيار الوزراء وتصعيد وجوه شابة
- تغيير في قوانين انتخابات النواب وأسلوب عملهم في البرلمان دون أي تعطيل للحياة.
- إيجاد صيغ جديدة تسمح بممارسة العمل السياسي كالجمعيات السياسية.
- ابعاد أي خلافات داخل الأسرة عن الإعلام والجمهور وان وجدت، فيجب تصديرها أنها خلافات في الرؤى وليست على السلطة والوزارات بحيث تبدو كتنافس سياسي مشروع.
إن ثنائية أزمة تشكيل الحكومة والبرلمان، باتت أعقد الأزمات السياسية في الكويت خصوصًا من منظور الشارع ما يستوجب ضرورة وضع صيغة جديدة تخفف من الاحتقان وتضخ حياة جديدة في الجمود القائم والخل المقترح المحتمل عبر حكومة شبه برلمانية تضمن بقاء أجنحة السلطة وتوحي للشارع بوصول ممثليه للسلطة التنفيذية (الأمثلة طبقتها بعض الحكومات الأوروبية والغربية) حيث نستطيع هنا دمج التعيين والانتخاب من أعضاء البرلمان لتظهر حكومة تحظى بثقة الناخب والجهات السيادية في الدولة والتي يمكن إجمال أبرز أشكالها المحتملة المقترحة:
- توزير بعض النواب في البرلمان
- اختيار نواب لرئيس الحكومة والوزراء بشكل منتخب برلمانيًا.
– إلى ذلك كله، يجب التركيز مرارًا وتكرارًا على قضية الإصلاح السياسي بشكل عام ضمن الخطوط العريضة التي تناولتها الدراسة فالضرورة ملحة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
– وفي حال الرغبة بتأخير تلك المقترحات المتعلقة بتغيير آلية اختيار الحكومة سواء كانتخاب أو اختيار طاقم العمل الحكومي من البرلمان أو الشعب، فالواجب التركيز الإعلامي على الإشكاليات السابقة التي عاشتها الكويت باختيار وزراء أو حكومة منتخبة في تجاربها السابقة كأزمة حكومة عام ١٩٩٢ التي عُرفت بأنها أكثر حكومة فيها وزراء نواب لكنها تسببت بأزمات وسلبيات.. وكذلك حال حكومات أخرى أساء فيها بعض الوزراء من أعضاء مجلس الامة استغلال سلطاتهم واقرارهم للواسطات والمحسوبيات لعمل قواعد انتخابية لهم، وهو ما لا يتسق مع الدستور أو رغبات الاستقرار والتنمية.
This post has already been read 82 times!