إن أول من أطلق إصطلاح (البصمة الوراثية) هو البروفيسور الإنجليزي “إليك جيفري” في جامعة ليستر بانجلترا عام 1985م، ولقد عد العلماء هذا الكشف العلمي (البصمة الوراثية) قفزة علمية كبيرة، ولقد عرّف العلماء البصمة الوراثية بعدة تعريفات متقاربة ومنها: (هي المادة الحاملة للعوامل الوراثية والجينات في الكائنات الحية) ولا شك أن البصمة الوراثية DNA قدمت خدمات علمية جليلة في مجال التحقيقات الجنائية، وإثبات الشخصية، وفي مجال نسبة الولد إلى أبيه وأمه والعكس ما يسمى (الأبوة والبنوة البيولوجية) وذلك بناء على أخذ عينات من الأب والأم المتوقعين والابن، وإجراء فحوصات وتحليلات وقياسات علمية بناء على هذه العينات، وبعدها تخرج النتيجة العلمية، بالتحقق من الشخصية والتحقق من الأبوة والبنوة القريبة.
كذلك قدمت البصمة الوراثية خدمات جليلة جينية لتلافي كثير من الأمراض الموجودة في جينات الشخص وتلافيها بإزالة مسبباتها، ومن ذلك نشأ (المشروع الجيني البشري) ولدينا أيضا في المملكة (المشروع الجيني السعودي) للوقاية من الأمراض الوراثية الموجودة في جسم الإنسان بما ورثه من جينات معينة متوارثة، فهم يتعاملون مع جينات موجودة.
ولكنّ هناك خلطا وخطأ كبيرا في استخدامات (البصمة الوراثية DNA) أحيانا يكون بجهل والأخرى بقصد التلبيس وبالذات ما يخص ربط الأشخاص بالأنساب البعيدة للقبائل والأعراق والسلالات عبر مئات السنين، ولا شك أن هذا خلط وتزوير للحقائق، حيث إنه لا يوجد بحث علمي واحد محكم يقول بذلك، وإنما هي أقوال وترهات تصدرها بعض المراكز التجارية في أمريكا وأوروبا بغرض الربح المادي، وبما يسمى مشروع (فاميلي تري).
واليوم بدأت مطالبات الجهات المتخصصة ومنها منظمة الغذاء والدواء في أمريكا وكذلك في أوروبا بضرورة إغلاق هذه المراكز التجارية المشبوهة والمنتحلة صفة العلم، وهذا الخطأ والتلبيس الكبير هو (الادعاء بإمكانية نسبة الشخص للأنساب البعيدة للقبائل والأعراق والسلالات عبر مئات وآلاف السنين من خلال البصمة الوراثية) قياسا على إمكانية إثبات النسب القريب للأب وما يسمى (الأبوة البيولوجية)، وهذا القياس والخلط باطل لم يقل به أحد من العلماء والأطباء المتخصصين بل الجميع أنكرها.
استخدم هذا الخلط من قبل مراكز تجارية مشبوهة، واستهوت هذه الدعوى الكاذبة كثيرا من ضعفاء النفوس الذين يريدون أن ينسبوا أنفسهم لأي نسب ولأي عرق ولو بالباطل، وللأسف أن بعض أبناء المسلمين انخرطوا في هذا الانحراف الكبير (واتبعوا ما تتلوا الشياطين)، الذي لا يقره العلم الحديث ولا يقره الشرع الحنيف، ونسوا تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ليس من رجل ادعى لغير أبيه، وهو يعلمه: إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم: فليتبوأ مقعده من النار). أخرجه البخاري ومسلم.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي عن (البصمة الوراثية) القرار السابع بتاريخ 1422/10/26هـ وتضمن القرار “لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم”.
وكذلك صدرت أبحاث ومقالات علماء الجينات والأطباء المتخصصين حول العالم لتنفي إمكانية استخدام (البصمة الوراثية DNA) للوصول لنسبة الشخص للأنساب البعيدة من القبائل والأعراق والسلالات عبر مئات وآلاف السنين – ولا شك فإن العلم الجيني الصحيح هو الفيصل في هذه المسألة – ومن هؤلاء:
1- يقول د. حاتم الجفري استشاري جراحة الأورام السرطانية، في محاضرة مهمة في هذا الموضوع منشورة على اليوتيوب: (الحمض النووي للإنسان هو عبارة عن تسلسلية من الجينات، التي تكونت من أسلافنا السابقين، رجال ونساء، كما ذكرنا سابقا.
وعند القيام بعملية حسابية إحصائية لعدد الأسلاف الذين انحدر منهم الفرد الواحد خلال 200 إلى 300 سنة، يكون عدد هؤلاء الأسلاف من رجال ونساء وعبر تلك الفترة 1024 شخصا (ذكر وأنثى).
وذلك لوجود أب وأم لهذا الشخص وأب وأم لكل فرد بعد ذلك في سلسلة أسلافه
وقطعا بالعودة إلى فترة أقدم من ذلك، فإن عدد الأسلاف الذين ورثوه جيناتهم يكون أكبر بكثير من عدد الجينات الموجودة في جينات هذا الشخص المعاصر.
وعليه فإن كمية الجينات المسلسلة المفقودة لا تعد ولا تحصى. وعليه تكون فرضيات حصول أشخاص آخرين على تلك السلاسل الجينية وعدم حصول غيرهم عليها أمرا واردا جدا.
ويؤكد علماء الوراثة الجينية أن ذلك الفحص الجيني لا يمكن أن يحدد أصول أسلاف الشخص المعاصر، حيث يكون الشخص المعاصر فقد الكثير من المعلومات الجينية عن الكثير جدا من أسلافه.
2- د. زينب المطيري أستاذة الجينات الوراثية في جامعة سطام بن عبدالعزيز ولها أبحاث ولقاءات تلفزيونية تنفي إمكانية ذلك علميا.
وتقول: لا يوجد بحث علمي محكم يثبت إمكانية نسبة الشخص لأنساب وأعراق وسلالات بعيدة عبر مئات السنين.
3- في بحث طويل للدكتور(آلان تيمبلتون) بعنوان (الأجناس البشرية الحيوية) نشر في 2013م، يفصل بشكل علمي أن نظريات السلالات البشرية والفحص الجيني الذي أخذ بالانتشار مؤخرا إنما هو تخرصات لا يمكن الاعتماد عليها.
وذلك بسبب طفرات وانتقال الجينات بين الكروموزوم (Y) الذكوري والكروموزوم (X) الأنثوي. وعليه لا يمكن بحال الاعتماد عليه في تفصيل أصول السلالات البشرية.
4- يحذر (البروفيسور دايفد بالدينغ) و(والبروفيسور مارك ثوماس) في تصريح عام من الانخداع بتلك المواقع، والتي تهدف إلى الربح المالي بالأساس لا التوثيق العلمي، ويقولان في مقالهما المنشور على صفحة جامعة كلية لندن: (إن فحص الجينات الوراثية في القضايا الجنائية هو أمر محمود، لكن ما نشهده من دعايات تلك المراكز التجارية، وما ينتج من استنتاجات وفرضيات عن أصول الأجناس البشر وأسلافهم، هو أمر مشكوك فيه، وقائم على فرضيات غير علمية مشكوك فيها).
5- يقول (البروفيسور برايان سكايز) عن النتائج التي تخرج من هذه المراكز، عند تحديد أسلاف الأشخاص الذين خضعوا للفحص الجيني في كروموزوم (Y) و(الميتوكوندريا) في الخلايا الأنثوية ما نصه: (إن الاستنتاجات التي تخرج عن تلك النتائج في تحديد الأسلاف وأماكن تواجدهم الأصلية وهجرتهم هي استنتاجات ظنية، وغير قائمة على أي أساس علمي، وتنطوي على مخاطر كبرى ومغالطات عظيمة عن الأجناس البشرية).
هناك كثير من العلماء المتخصصين الذين تكلموا في ذلك، وعليه يجب الحذر من هذه الدعوات الباطلة التي تتجاوز حدود الشريعة وتتجاوز حدود العلم، وكل ذلك تلبية لأهواء شخصية ومغامرات نفعية.
This post has already been read 135 times!