• المملكة أكدت أن رئاستها للمؤتمر بالشراكة مع فرنسا تستند إلى موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية
• انعقاد المؤتمر برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا سيتيح الانتقال من خطاب الإدانة إلى الاعتراف بفلسطين وتحقيق حل الدولتين
• المؤتمر بمثابة محاولة دولية أخيرة لإحياء المسار السياسي نحو حل الدولتين في ظل انسداد أفق المفاوضات وتواصل العدوان
• لا يمكن إنكار الزخم الذي أضافه الإعلان الفرنسي السابق للمؤتمر مؤخراً قرار باريس الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين
التمهيد
تثبت المملكة العربية السعودية اهتمامها الجدي بقضية العرب الأولى، حيث بذلت السبل السياسية كافة لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، دون نسيان دفاع الرياض عنها في مختلف المحافل الدولية. مع تبنيها مواقف ثابتة وداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا السياق، أطلقت الرياض في ٢٦ سبتمبر/أيلول ٢٠٢٤، مبادرة دولية لفرض تحقيق حلم الدولتين، وتحققت خطوات الرؤية السعودية بانعقاد “المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية بالطرق السلمية وتنفيذ حل الدولتين” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي ترأسه السعودية بمشاركة فرنسا، وبحضور دولي وأممي، ضمن رؤية واضحة تسعى إلى تحقيق مسار ملزم يعزز الاعتراف بدولة فلسطين، ما يحقق فرص السلام الإقليمي.
وللتذكير، كان مقرراً أن ينعقد المؤتمر في نيويورك بين 17 و20 يونيو/حزيران الماضي، لوضع خريطة طريق تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو حزيران دفع عدة وفود من الشرق الأوسط إلى الاعتذار عن الحضور، ما أدى إلى تأجيله. ليتم تحديد موعد جديد يومي 28 و29 يوليو/تموز الجاري لانطلاق الاجتماعات التحضيرية في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية، كتمهيد لقمة أوسع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر أيلول المقبل، وسط ترقب لتحول دولي قد تعيد معه بعض العواصم الغربية صياغة موقفها من الدولة الفلسطينية.
المحاور
الموقف السعودي:
أكدت المملكة أن رئاستها للمؤتمر بالشراكة مع فرنسا تستند إلى موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، واستمرار جهودها في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بهدف تحقيق السلام العادل والشامل الذي يكفل قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبمتابعة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تبذل كافة الجهود لإرساء السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى دائماً من منطلق مبادئها الراسخة إلى نشر السلم والأمن الدوليين بهدف إنهاء معاناة الإنسان الفلسطيني، وإيقاف دائرة العنف المستمرة والصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده، وراح ضحيته عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء، وأَجَّج الكراهية بين شعوب المنطقة والعالم.
وأكد الأمير فيصل بن فرحان، مساء أمس الإثنين، خلال بيان صحفي على هامش أعمال المؤتمر، أن الرياض لن تقيم علاقات مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية، مشدداً على أنه “آن الأوان لإنهاء الصراع وتجسيد الدولة الفلسطينية”.
وقال الأمير فيصل بن فرحان: “آن الأوان لإنهاء الصراع وتجسيد الدولة الفلسطينية”، معتبراً أن “السلام بين إسرائيل وفلسطين يمثل مدخلاً أساسياً لتحقيق سلام إقليمي شامل”. وشدد على أنه “لا علاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية”.
كواليس المؤتمر:
يضم المؤتمر الدولي 8 لجان مارست مهامها منذ يونيو/حزيران الماضي لبلورة رؤى اقتصادية وسياسية وأمنية للإطار الخاص بدولة فلسطين.
اللجان الثمانية تشمل كل من: إسبانيا، والأردن، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والنرويج، ومصر، وبريطانيا، وتركيا، والمكسيك، والبرازيل، والسنغال، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي (بمجموعة حول جهود يوم السلام).
أما مهام اللجان فتتوزع في قضايا مختلفة، على رأسها محور الدولة الفلسطينية الموحدة ذات السيادة، وتعزيز الأمن، ولغة السلام، وإمكانية نجاح فلسطين اقتصادياً، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى الحفاظ على حل الدولتين، ونشر الاحترام للقانون الدولي، وجهود يوم السلام.
إلى ذلك، يضم المؤتمر الدولي، وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ونظيره الفرنسي جان نويل بارو، ورئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى، ورئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن، ووزراء خارجية الدول المشاركة في المؤتمر ودبلوماسييها في الأمم المتحدة.
واعتبر المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة أن الأساس هو التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة واعتماد مسار يكلل بحل سياسي ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أهداف المؤتمر:
جاء المؤتمر في وقت حساس حيث يواصل فيه الكيان الإسرائيلي، بدعم أميركي، شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تركت أكثر من 204 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
ويؤكد المراقبون والمختصون أن انعقاد المؤتمر برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا لتعزيز الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطين والاتجاه نحو تحقيق حل الدولتين، سيتيح الانتقال من خطاب الإدانة إلى الاعتراف بفلسطين وتحقيق حل الدولتين، مع أهمية عدم تجاهل جذور الصراع العربي الإسرائيلي.
ويهدف المؤتمر بشكل مباشر إلى إيجاد حل فوري للانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين، وإنهاء أمد الصراع بتحقيق حل الدولتين، وهذا الرأي الذي تعزز لدى عدة دول أصبحت تؤمن به بصفته خياراً للسلام. لذلك وجدنا دول الاتحاد الأوروبي تعتبر أن المؤتمر “لحظة حاسمة ليس فقط للشرق الأوسط بل للتكتل أجمع”.
المواقف الدولية:
انتقدت الولايات المتحدة المؤتمر المنظم برعاية كل من فرنسا والسعودية، ووصفته بأنه “مسرحية دعائية”. واستهجنت واشنطن المؤتمر بشأن تحقيق حل الدولتين، حيث وصفته المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس بأنه “مسرحية دعائية تأتي وسط جهود دبلوماسية لإنهاء الصراع”. وقالت بروس إن المؤتمر “سيطيل أمد الحرب، ويشجع حماس، ويقوض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام”.
وهاجم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، فرنسا، واصفا إعلانها المرتقب للاعتراف بفلسطين بأنه “خطوة متهورة تعرقل جهود السلام وتخدم الدعاية لحماس”، وأكد عبر منصة “إكس” أن “واشنطن ترفض بشدة هذه الخطوة”.
كما صرح السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي بأن “إقامة دولة فلسطينية لم تعد هدفاً حقيقياً للسياسة الخارجية الأميركية”، في انعكاس واضح لتحول في مواقف إدارة ترامب الثانية وتبنيها نهجا أقرب إلى مواقف اليمين الإسرائيلي المتشدد. بالتوازي مع إعلان الكيان الإسرائيلي مقاطعة المؤتمر.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، دعا إلى جعل المؤتمر “نقطة تحول” لتنفيذ حل الدولتين، مؤكداً أن بلاده أطلقت زخماً لا يمكن إيقافه من أجل الوصول لحل سياسي في الشرق الأوسط. مشدداً بالوقت ذاته على ضرورة وقف الحرب والمعاناة في قطاع غزة والبدء بوقف إطلاق نار دائم، مشيرا إلى أنه “لا يمكن القبول باستهداف الأطفال والنساء، بينما يسعون للحصول على المساعدات” في القطاع المحاصر.
في حين وصف السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور الاجتماع بأنه “فرصة فريدة لتحويل القانون والإجماع الدوليين إلى خطة واقعية، ولإظهار العزم على إنهاء الاحتلال وحل النزاع بشكل نهائي”.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن المؤتمر “محطة مفصلية” نحو تفعيل حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، مثمناً إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، مشدداً على أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يبدأ بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه. وبذات الوقت دعا إلى وقف فوري “للكارثة الإنسانية” في غزة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية، مذكراً أن مبادرة السلام العربية هي أساس جامع لأي حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. وأكد أن “السعودية وفرنسا عازمتان على تحويل التوافق الدولي بشأن حل الدولتين إلى واقع ملموس”.
قطرياً، اعتبر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن المؤتمر “بارقة أمل” في وقت تمر فيه المنطقة بلحظة حرجة في ظل حرب إسرائيل على غزة.
وفي كلمته، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن حل الدولتين هو الإطار الوحيد المتجذر في القانون الدولي الذي أقرته الجمعية العامة والمدعوم دولياً، محذراً أن هذا الحل بات الآن “أبعد من أي وقت مضى”، داعياً إلى جعل المؤتمر نقطة تحول لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام في المنطقة. واعتبر أن النزاع الحالي في غزة يزعزع الاستقرار في المنطقة والعالم بأسره، وأن إنهاءه يتطلب إرادة سياسية، مستنكراً في الوقت ذاته الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة الذي اعتبره “غير قانوني”، ودعا لوقفه.
الانعكاسات والمسارات:
يرى الكثير أن المؤتمر هو بمثابة محاولة دولية أخيرة لإحياء المسار السياسي نحو حل الدولتين، في ظل انسداد أفق المفاوضات وتواصل العدوان على غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة. وهذا ما يفسر الضغوط الدبلوماسية الكبيرة التي مارسها البيت الأبيض لمنع الحكومات من المشاركة في المؤتمر، عبر إرسال برقيات تحثها على عدم الحضور.
لكن المؤتمر – وبجهود سعودية واضحة- انعقد بالتوازي مع توقعات بخطوات غير مسبوقة من بعض الدول الأوروبية للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في حين أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل مقاطعة الحدث واعتراضهما العلني على مخرجاته المرتقبة.
ونتيجة لتلك التقاطعات، خفض دبلوماسيون سقف آمالهم حول الاختراقات التي سيحققها المؤتمر، ونتيجة لتغير النية لدى كثير من الأطراف من إعلان فوري دولي جماعي يعترف بفلسطين كدولة مستقلة، إلى التركيز على خطوات مرحلية نحو الاعتراف بدلاً من إعلانات فورية.
وتكمن المشكلة في قضية الاعتراف الدولي أنه بات مرتبطاً بتقدم إجراءات بناء الثقة بين طرفي النزاع، بما في ذلك التوصل إلى هدنة دائمة في غزة وتحسين الأوضاع الإنسانية، والتزام الجانب الفلسطيني بترتيبات أمنية تضمن أمن الكيان الإسرائيلي، نتيجة ضغوط واشنطن وتل أبيب.
الخاتمة
لكن يبقى التفاؤل بالنجاح واختراق مهم يتمثل بزيادة عدد الدول المعترفة بفلسطين على الصعيد الدولي، وهذا ما أكدته تقارير أشارت إلى أن أكثر من 140 دولة -من أصل 193 عضوة بالأمم المتحدة- تعترف حالياً بدولة فلسطين، في حين لا تزال دول غربية كبرى -مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة- ترفض الإقدام على هذه الخطوة حتى الآن، وهو ما يسعى المؤتمر ضمنياً لتحقيقه. حيث لا يمكن إنكار الزخم الذي أضافه الإعلان الفرنسي السابق للمؤتمر مؤخراً قرار باريس الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين خلال جلسات الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول المقبل، حيث يسعى ماكرون ليصبح أول زعيم لدولة كبرى عضو في مجموعة السبع يقدم على مثل هذه الخطوة التي توصف بـ “التاريخية”.

This post has already been read 526 times!

