• المواجهة الحالية تنهي منظومة الردع التقليدية التي كانت تحكم العلاقة بين إيران وإسرائيل
• الخاسر الأكبر من المواجهة هم شعوب المنطقة التي تدفع الكلفة الباهظة لهذا التصعيد
التمهيد
شنّ الجيش الإسرائيلي فجر الجمعة 13 يونيو عملية عسكرية واسعة النطاق أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”، قصف فيها سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً عسكرية ومواقع للبرنامج النووي الإيراني. ليعلن الحرس الثوري الإيراني أن إيران تنفذ عملية “الوعد الصادق 3” ردًا على الضربات الإسرائيلية. بعد أن خاطب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الإيرانيين متوعداً بالرد على إسرائيل بقوة.
بذلك دخلت المنطقة مرحلة جديدة وخطيرة مع افتتاح الكيان الصهيوني هجمات مكثفة كمقدمة لحرب لا يعرف مداها ضد إيران، بالتوازي مع استمرار الاحتلال في الهجوم الدموي على قطاع غزة في خطوة تعتبر مفصلية في رسم خرائط النفوذ والقوة في الإقليم المضطرب أصلاً بعد تأكيدات تل أبيب أنها تعيد رسم الشرق الأوسط وفق رؤاها وتعزيز إنهاء الدور الإيراني بعد الضربات الموجعة لهذا المحور قبلاً.
المحور
محركات الضربة الإسرائيلية
لم تكن الضربة الإسرائيلية اعتباطية بل سبق التحضير لها والتهديد المتكرر بالقيام بها مع كل تطور متعلق بالبرنامج النووي الإيراني بالإضافة إلى تأكيد إسرائيل على قص أذرع إيران في المنطقة ووقعت ضربات سابقة سواء في العمق الإيراني أو في اليمن ومواقع أخرى محسوبة على المحور الإيراني، ليأتي هذا الهجوم كخطوة حاسمة – فيما يبدو وتأكده تصريحات تل أبيب- بحسم الملف الإيراني.
وعليه لفهم أهداف ومحركات الضربة العسكرية المتصاعدة إسرائيلياً ضد طهران يجب تقسيمها لمستويات متعددة:
هدف الضربة:
تغيير النظام الإيراني وبنيته وصنع نظام بديل يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية لإقليم الشرق الأوسط.
غاية الضربة:
تعزيز التموضع الإسرائيلي في قيادة منطقة الشرق الأوسط في ظل تغيير الخرائط الجيوسياسية عالمياً.
محركات الضربة ودوافعها:
تدمير القوة الإيرانية من برنامج نووي وصواريخ باليستية والتقدم في الطيران المسيّر.
أدوات التنفيذ:
يمتلك الكيان الإسرائيلي قدرة عسكرية وسلاح ينفذ هذه المخططات خصوصاً تدمير البرنامج النووي (بدأت بذلك عبر عمليات التصفية التي تمت لكبار القيادات العسكرية وعلماء البرنامج النووي) لكنها تسعى لجرّ واشنطن للدخول في المعركة بشكل مباشر، وإلا هي تنفذ خطتها.
دلالة التوقيت:
تشير التقارير الأمنية الصهيونية أن تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني جعل طهران أمام خطوات قصيرة من امتلاك سلاح نووي ما أجبر إسرائيل على تسريع الضربة، بالتوازي مع تعثر المفاوضات النووية ما جعل الأمريكان يتراخون أمام مطالب تل أبيب بضرب طهران.
هذا وأعلن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، أنهم سيضربون كل موقع، كل هدف تابع للنظام، وأضاف “وجهنا ضربة فعلية لبرنامجهم النووي”. ليتابع “لقد عبدنا طريقاً إلى طهران. قريباً جداً سترون الطائرات الإسرائيلية، سلاح جونا، طيارونا، في سماء طهران”. مؤكداً أن الضربات تحظى بـ”دعم صريح” من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
التخطيط الاستباقي وتنفيذ الضربة ضد إيران
بنى جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي “الموساد” خطة سرية تقوم على إدخال مكونات طائرات “درونز” وصواريخ موجهة إلى عمق الأراضي الإيرانية للعمل من هناك.
كما أقام “الموساد” قاعدة سرية للطائرات المسيّرة بالقرب من طهران، استُخدمت مع بدء الضربة لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي ومطلقات الصواريخ الباليستية قبل وأثناء الغارات الجوية الإسرائيلية.
ولضمان نجاح حوالي 200 طائرة إسرائيلية في ضرب نحو 100 هدفاً بضربة واحدة، جرى تفعيل الأسلحة المهربة ومنصات الإطلاق داخل إيران، ما أتاح تدمير نظم الدفاع الجوي الإيرانية.
تجدر الإشارة أن العملية والتحضير لها امتد لعدة أشهر من تحضير فرق داخل إيران وعمليات متزامنة بين الموساد والجيش لضمان التكامل بين جاسوسية ومهاجمة دقيقة، وهذا يشابه ما قامت به أوكرانيا باستهداف العمق الروسي قبل فترة.
رد الفعل الإيراني
أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني من جهته بـ”بدء جولة جديدة من هجمات الوعد الصادق 3″، في إشارة إلى اسم عملية الرد على الضربات الإسرائيلية، حيث نقلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية يوم السبت الماضي عن مسؤولين عسكريين إيرانيين أن الضربات الإيرانية على إسرائيل ستستمر، وأن الحرب التي بدأت مع بدء عدوان إسرائيل ستمتد إلى جميع المناطق والقواعد الأميركية في المنطقة خلال الأيام المقبلة، وسيكون المعتدون هدفاً لرد إيران الحاسم والواسع.
وأكد مستشار الحرس الثوري الإيراني اللواء أحمد وحيدي لمراسل التلفزيون الإيراني إن عملية “الوعد الصادق 3” ستتواصل طالما اقتضت الضرورة، مؤكداً أن “المرحلة الأولى منها وجهت صفعة قوية للصهاينة”. مؤكداً أن الهدف الرئيسي في الهجوم الصاروخي الإيراني كان ثلاثة قواعد جوية في مناطق متفرقة من إسرائيل. ويبلغ مجموع الأهداف التي تم التخطيط لضربها في هذه العملية بلغ 150 هدفاً وفق وحيدي.
مسارات المواجهة.. التداخلات والانعكاسات
أظهر الكيان الإسرائيلي جدية باستمرار المواجهة مع إيران مراهناً على الموقف الأمريكي الذي يدعمه ضمنياً والراجح أن ترامب سيدخل المواجهة بعد أن يحقق شروطاً معينة من نتنياهو، والأخير يميل للمماطلة وعدم تحقيق رغبات ترامب. وتشير تقاطعات المعلومات والتحليلات أن واشنطن وافقت على الدخول في الصراع وتتولى حماية منطقة الخليج.
الحسابات العسكرية تلعباً دوراً محورياً في قراءة مستقبل المواجهة بين الطرفين حيث يوجد لدى طهران قرابة 2000 – 3000 صاروخ باليستي وتم رصد إطلاق قرابة 500 صاروخ منها، أي الباقي لن يصمد لشهر إذا استمر معدل إطلاق الصواريخ 100 صاروخ باليوم وهذا يفسر لنا تخفيض عدد الصواريخ الإيرانية المنطلقة نحو الكيان.
الكيان الإسرائيلي جهز خطط المواجهة لخسارة 5 آلاف مستوطن وعدد القتلى حالياً عشرات فقط، ومهدت تل أبيب الطريق أمام أي تدخل أمريكي عبر تدمير القوى العسكرية والدفاع الجوي ومنصات إطلاق الصواريخ وكذلك تصفية كبار الضباط والعلماء العسكريين وهددت باغتيال المرشد نفسه وضرب المنشآت النفطية والمصافي والموانئ والأسواق.
الخطة الإسرائيلية تقتضي التهيئة المناسبة لدخول قوات “كوماندوس” خاصة وتدمير المفاعلات تحت الأرض بتنفيذ بشري وتعاون أمريكي عبر قوات “دلتا” و”إسرائيلي” بالقوات الخاصة.
الراجح استمرار المواجهة والحرب لأسابيع بين 3 و4 أشهر قد نشهد فيها مفاجآت تخلط الأوراق كلها خصوصاً في الداخل الإيراني.
انعكاسات المواجهات يتمثل في حال نجاح الكيان بخططه بتقسيم إيران لأقاليم وتوجيه الأنظار بعدها نحو العراق لتعزيز تقسيمه وفي العمق الأنظار نحو سوريا وتركيا.
نذكر هنا أن نتنياهو في ملامح خطاب “النصر التاريخي” المنتظر، وضع حجر أساس شرق أوسط جديد، دون انتظار اليوم التالي لحرب غزة، استباقاً لفرض وقائع لا رجعة فيه.
الخاتمة
تنهي هذه المواجهة منظومة الردع التقليدية التي كانت تحكم العلاقة بين إيران وإسرائيل. ونعيش اليوم مرحلة جديدة عنوانها المواجهة المباشرة، والردع الناري المتبادل، ما يعني رسماً جديداً للتوازنات ليس فقط في الشرق الأوسط، بل على مستوى العلاقات الدولية.
منطقتنا عموماً معنية بشكل مباشر بهذه الحرب فلبنان مثلاً قد يواجه انفجاراً جديداً، خصوصاً في ظل توازن دقيق لـ”حزب الله” الذي يحاول النأي بنفسه عن الصراع، لكنه سيبقى عرضة للضغوط المحلية والدولية، أما الخليج، فمن المرجح أن يواجه توتراً متزايداً، خصوصاً فيما يتعلق بأمن الطاقة والممرات البحرية.
والخاسر الأكبر هم شعوب المنطقة التي تدفع الكلفة الباهظة لهذا التصعيد، حيث قد نشهد موجة تهجير جديد، وانهيار الخدمات، وانعدام الأمان، وتذبذب اقتصادي وأزمات.
This post has already been read 677 times!

