• الاستعمار البريطاني بدهاء وخباثة مدروسة ترك أزمة خاصة تتعلق بإقليم كشمير
• الهند ورئيس وزرائها ظهروا وكأنهم ينتظرون ما حدث لتفعيل المواجهة مع باكستان
• توقيف الصراع هو حالة مؤقتة وتبقى كشمير بؤرة توتر وبرميل بارود ينفجر بأي لحظة
• الدبلوماسية الخليجية تتحرك لمنع مواجهة قد تؤثر بشكل سلبي على المنطقة ككل
• دول المنطقة بحاجة لبناء استراتيجية بعيدة المدى تستفيد من تجربة القوات الباكستانية
يعتبر ملف الصراع الهندي الباكستاني من أعقد ملفات العالم ككل نظراً لتداخله وطول مدته وتغير توصيفه بين توتر ومواجهات عسكرية وأزمات دفينة تهدد بانفجار المشهد في كل وقت كما جرى منذ أيام، وتكمن خطورته الرئيسية لامتلاك البلدين السلاح النووي مع أعداد ضخمة من السكان وعوامل أخرى متداخلة.
أولاً: البعد التاريخي لصراع البلدين
يرجع الصراع بين الجارتين إلى مرحلة الاستعمار البريطاني للهند الذي عمل على تغذية التفرقة بين الهندوس والمسلمين وقضى على الحكم الإسلامي هناك، ومع خروج الاستعمار انقسمت الهند الكبرى إلى عدة دول على رأسها الهند ذات الغالبية الهندوسية وباكستان ذات الغالبية المسلمة، لكن الاستعمار البريطاني بدهاء وخباثة مدروسة ترك أزمة خاصة بينهما تتعلق بإقليم كشمير (أغلبية مسلمة كان يحكمه حاكم هندوسي) حيث وبدل أن يتبع الإقليم لباكستان، تم ضمه للهند في اللحظات الأخيرة قبيل استقلال البلدين ليسبب أزمة كبرى انقسم فيها الإقليم بين البلدين مع جزء صغير من كشمير احتلته الصين لاحقاً.
وأهمية إقليم كشمير بالنسبة لباكستان ذات بعدين:
– أمن الموارد المائية حيث تمر روافد أهم انهار باكستان وعماد حياتها وزراعتها من الإقليم بجزئه الهندي.
– ديمغرافي كون سكانه من المسلمين التابعين روحيًا وقبائليًا لباكستان.
ونظرًا للوضع الخاص وأزمة الحدود بين البلدين المتمثلة بإقليم كشمير المتنازع عليه، دخل البلدان حروباً متلاحقة كان أعنفها حرب 1965 وحرب 1971 والمواجهات الأخيرة قبل أيام.
ثانياً: اشتعال المواجهات الأخيرة
انطلقت شرارة المواجهات الأخيرة بين الهند وباكستان كالعادة من إقليم كشمير، ففي يوم 22 إبريل المنصرم، وقعت مجزرة استهدفت سياحاً هنود في القسم الهندي من إقليم كشمير.
لتعلن الحكومة الهندية اتهامًا مباشرًا لباكستان أنها تقف وراء العملية -رغم النفي الرسمي الباكستاني لذلك- وتصعد من المواجهات العسكرية من جهة وتعلن إيقاف العمل باتفاقية تقاسم المياه، وهي الخطوة الأخطر والأبرز والأهم لدى باكستان، كون المياه المقصودة هي شريان حياة الدولة والناس في باكستان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
الذي يجب تثبيته هنا من سلسلة تقاطعات المشهد، أن الهند ورئيس وزرائها “مودي” ظهروا وكأنهم ينتظرون ما حدث في كشمير لتفعيل المواجهة مع باكستان، وهذا ما تناوله الإعلام الباكستاني أساسًا أن ما جرى بتدبير المخابرات الهندية، وله شواهد كثيرة.
ومحركات الخطوة الهندية كذريعة لمواجهة باكستان وقطع العمل باتفاق تقاسم المياه وتجربة مستويات جديدة من السلاح، وفي مستوى أعمق يجب الانتباه للمحركات الدفينة التي أشعلت الصراع هذه الفترة (تحذير ضمني بريطاني لأمريكا بعد ليونة مواقف واشنطن في الحرب الروسية، ورغبة الجميع باختبار الصين).
ثالثاً: تطور المشهد وقبول الهند بالتهدئة
مع سلسلة المواجهات العسكرية وتقدم الهند بطيرانها نحو باكستان بعد أيام من المناوشات الحدودية وضرب النار المتبادل، فوجئ الجميع بتقدم باكستان العسكري والتقني المدروس -رغم تفوق الهند المفترض في العتاد والتسليح- لتسقط أحدث الطائرات الهندية “الرافال الفرنسية” ويبرز الطيران الصيني وصواريخ الدفاع الجوي الصينية ضد الأسلحة الهندية والطائرات ذات المصدر الفرنسي والروسي، ولا ننس حرب المسيرات واستخدام الهند للمسيّرات الإسرائيلية.
تقاطعات وتوضيحات وتكتيكات كثيرة في كواليس هذه المعركة، لكن نتائجها أجبرت الهند على قبول التهدئة والسلام المبدئي بضغوط أمريكية بعد نتائج المعركة المخيبة للآمال.
رابعاً: خطورة الأزمة وتطوراتها
رغم توقف المواجهات، إلا أن الصراع لم ينته، وما تزال كل محركاته موجودة، وما جرى هو تأجيل للمواجهة بعد تفاهمات بينية بين الحلفاء، حيث الصدمة الأمريكية الضمنية (كذلك الأوروبية والصهيونية) من السلاح الصيني وتفوق باكستان العملي في المواجهة، خلط الأوراق وأجبر الجميع على تأجيل المواجهة لإعادة ترتيب المشهد.
يجب التذكير هنا بالدور المباشر للمملكة العربية السعودية في احتواء التوتر بين البلدين والسعي الحازم لإيقاف الصراع الأخير انطلاقاً من دور ريادي تسعى له الرياض عالميًا مرورًا بدوافع علاقتها العسكرية المتطورة مع باكستان ووزن البلدين إسلاميًا (الرياض شريك أساسي في تطوير برامج مقاتلات جوية صينية في باكستان) وخططها التجارية العالمية بالشراكة مع الهند والطريق التجاري الهندي الذي يمر من المملكة إلى أوروبا.
الأزمة إذا خرجت عن السيطرة قد تقود لبدايات حرب عالمية نظرًا للأطراف التي تقف خلف كواليسها (الهند بدعم أمريكي صهيوني بريطاني) وباكستان بعلاقاتها مع الصين والكتلة الإسلامية، وكذلك علاقاتها مع الإنجليز والأمريكان، ما يؤكد تعقيد المشهد.
النتائج والتوصيات
ما جرى من توقيف للصراع هو حالة مؤقتة، وتبقى كشمير بؤرة توتر وبرميل بارود ينفجر بأي لحظة مع أي خطأ في إدارة المشهد هناك، والجولة التي كسبتها باكستان فرضت على الهند وحلفائها التراجع خطوة للخلف لفسح المجال للأمن والاستخبارات بتحليل قدرات باكستان الجديدة -ومن ورائها التطور الصيني- لمحاولة تحديث المشهد والصورة هناك، لكن هذا يعزز بالضرورة أن مواجهة أخرى ستندلع، ما يهدد التجارة الدولية وحركات العمالة وقد يحمل في طياته ارتفاعاً في أسعار النفط وعقود التسليح (بعد التفوق الصيني البارز).
دول منطقتنا بحاجة لوضع كل الاحتمالات والسيناريوهات المرافقة لها، والدبلوماسية الخليجية تتحرك انطلاقًا من دورها الأساسي برفع فرص السلام ومنع انزلاق العملاقين الهندي والباكستاني في مواجهة قد تؤثر بشكل سلبي جدًا على المنطقة ككل، وفي العمق بناء استراتيجية بعيدة المدى تستفيد من التجربة الباكستانية والتطور الذي حققته القوات الباكستانية في ظرف سنوات قليلة.
This post has already been read 512 times!

