ليس مستغربًا عودة العلاقات بين الرياض وطهران؛ فقد شهد عدة جولات غير رسمية ولقاءات مسؤولين من الطرفين بوساطات عراقية وعُمانية منذ نيسان/ إبريل 2021 وتصريحات متبادلة عن نيّة أو قرب حدوث اختراق في جمود وانقطاع العلاقات بين البلدين خلال 7 سنوات ماضية.
إلا أن الحدث يحمل أهمية خاصة في دلالة التوقيت والحدث والوسيط والانعكاسات المحتملة على المنطقة ككل لأهمية ووزن البلدين وانتمائهما لمحاور مختلفة إقليميًا ودوليًا؛ لذلك يتجاوز التوصيف بأنه مجرد تسوية سياسية أو تطبيع اعتيادي.
أولًا: أهمية الحدث وضخامته:
وزن البلدين الجيوسياسي وكونهما على طرفي نقيض وتنافس إقليمي؛ يجعل من عودة العلاقات بينهما حدثًا استثنائيًا.
النقطة الثانية في أهمية الحدث ترتبط بالبعد الدولي المتعلق به حيث أنه:
- يحدث لأول مرة بعيدًا عن الولايات المتحدة الحليف والداعم الأبرز للسعوديين وراعية مصالح المنطقة.
- الوساطة الصينية التي سمحت بنجاح عودة العلاقات ورعته ووقعت على بنوده.
- توقيت محادثات عودة العلاقات يحمل دلالات مهمة، حيث جرت المحادثات النهائية في الصين منذ يوم الاثنين الماضي ليتم التوقيع في الأمس، لكنها تمّت في وقت:
- كان فيه وزير الدفاع الأمريكي يقوم بجولته في المنطقة بين إسرائيل والأردن ومصر.
- اسرائيل تهدد بتصعيد الضربات ضد إيران.
- صفقة سلاح أمريكية لتايوان تتجاوز 619 مليون دولار وأسلحة متقدمة، تستهدف الصين التي صعدت رافضة أي مساس بوضع الجزيرة.
ثانيــًا: البعد السعودي في الاتفاق:
الرغبة السعودية بإعادة العلاقات مع طهران تأتي في سياق رغبة السعودية بتعزيز تموضعها الإقليمي وتعميق ثقلها الاستراتيجي وحماية أمنها من مختلف التهديدات.
المحرك الرئيسي للخطوة السعودية هو التهاون الأمريكي بحماية المنطقة والتعامل مع إيران دون مراعاة المصالح الخليجية لذلك ترسل الرياض رسالة سياسية للغرب وأمريكا، بأن واشنطن ليست هي الحلّ الوحيد لدى الدبلوماسية السعودية وهي حليف استراتيجي فقط.
الغاية من الخطوة سعوديًا، حماية أراضيها ومصالحها النفطية من أي هجوم أو انتقام إيراني إذا ما وقعت ضربة عسكرية ضد طهران في ظل تلكؤ أمريكي عن حماية الرياض.
انعكاسات الحدث سعوديًا والمرتبطة باستمرار ونجاح العلاقات:
- يبعث برسائل إلى إيران عن عدم مشاركة الرياض بأي حرب ضد طهران “ظاهريًا”، وقد يحمي الأراضي السعودية من أي ردات فعل انتقامية إيرانية.
- تبعث عودة العلاقات برسالة تربك قضية التطبيع وهذا ما فهمه مسؤولون اسرائيليون أدركوا خطورة التغيرات ورسالة الرياض بحاجتها لمزيد من التطمينات.
- يرتبط بثلاثة ملفات إقليمية هي الملف اليمني “الأهم سعوديًا” والملف اللبناني وجزئيًا الملف السوري.
- نتيجة عودة العلاقات الأولية؛ سيهدئ الجبهة اليمنية والتهديد الحوثي بالهجمات الإرهابية ضد الرياض.
- سيشهد الملف اللبناني حلحلة معينة في حين أن الملف السوري قد يشهد مزيدًا من دعاوى التطبيع مع النظام السوري.
وبالتوازي مع ذلك كله، تعزز الرياض دبلوماسيتها الخارجية حيث يبقى الهدف السعودي تطوير علاقاتها الدولية المتوازنة بين الشرق والغرب بتقاربها مع الصين ودعمها لأوكرانيا وحواراتها مع روسيا وأخيرًا عودة علاقاتها مع إيران ودعمها لتركيا.
ثالثــًا: البعد الإيراني في عودة العلاقات:
شهد سعر الدولار مقابل التومان تراجعًا ملحوظًا بعيد إعلان بيان استئناف العلاقات بين إيران والسعودية وسجل 48 ألفًا.
التحسن الاقتصادي الملحوظ هو أحد محركات الموقف الإيراني الدافعة لعودة العلاقات مع الرياض حيث تحتاج طهران لفتح مسار اقتصادي احتياطي يسمح لها بالاستمرار إذا ما فشلت مفاوضات فيينا وعودة سياسة الضغط والحصار الإقتصادي أمريكيًا وغربيًا دون نسيان ملف الحرب الأوكرانية واضطرار طهران لمزيد من دعم روسيا ما يعني تشديد العقوبات الغربية.
من الأهداف الرئيسية للإيرانيين هو كسب أو تحييد المملكة في حالة وقوع هجوم عسكري إسرائيلي أو أمريكي.
رابعــًا: البعد الصيني في الحدث:
يجب التركيز على أن عودة العلاقات بين الرياض وطهران تمّ بوساطة صينية -وهو المنعطف الأبرز في هذا الاختراق- حيث وأثناء جولة وزير الدفاع الأمريكي الشرق أوسطية، عقد وزير الخارجية الصيني مؤتمرًا صحفيًا قال فيه صراحة إن “الصين ستتدخل في أزمات الشرق الأوسط وإنها لن تحاول ملء الفراغ في المنطقة”.
الرسالة الصينية المبطنة من تصريحات الوزير الصيني ونجاحها بعقد جولة عودة العلاقات؛ أنها جادة بملء الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط (الفراغ بعد تراجع دور أمريكا وتقديم نفسها طرفًا غير نزيه في حل مشاكل المنطقة) ومواجهة واشنطن في ساحات بعيدة عن محيطها الحيوي.
- نقاط مهمة لفهم التحركات الصينية:
- عقدت الصين في الفترة الماضية اتفاقًا ذي بعد استراتيجي اقتصادي سياسي مع إيران لمدة 25 عام.
- تتجاوز الاستثمارات السعودية في الصين مبلغ 65 مليار دولار.
- تعاظمت الحاجة الصينية للنفط خصوصًا من المنطقة وبضمان تحييد الصراع الإيراني السعودي؛ فهي تضمن تدفقًا مستمرًا من النفط والطاقة.
- دلالات مهمة مرتبطة بالصين:
نشهد مرحلة دبلوماسية صينية جديدة نحو المنطقة تعمل فيها على المستويين الاقتصادي والسياسي لحماية مصالحها وشركائها في الشرق الأوسط.
اللافت في رعاية الصين للحدث وضغطها باتجاه إنجاحه، أنه يحمل دلالة رد فعل عقابي ضد واشنطن ذي تأثير كبير وممتد بعد ازدياد تدخل أمريكا في تايوان وآسيا ضد المصالح الصينية.. لذلك لا يمكن فصل ما جرى عن فرضية ضعف وتراجع أمريكي تريد الصين استغلاله على أحسن وجه خصوصًا في كسب السعودية ذات الدور المهم في الإقليم المهم، لذلك يبدو الاتفاق في المستوى القريب والمتوسط يصب في مصلحة الصين لو حقق ثباته ونجاحه.
الخلاصة:
إعلان عودة العلاقات بين السعودية وإيران حدث مهم يستوجب التوقف مطولًا وشهد انتقالًا من البعد الإقليمي إلى البعد الدولي بعد الرعاية الصينية التي أنجحت الاتفاق بعد جولات في بغداد ومسقط رغم أن الحدث يشمل عودة السفراء والتمثيل الدبلوماسي مبدأيًا.
عودة العلاقات تستغرق قرابة شهرين يمكن اعتبارها مرحلة تجريبية لإنجاح واستمزاج آراء الطرفين وتكمن الخطورة بالموقف الحقيقي لكل من اسرائيل وأمريكا من الاتفاق حيث سبق للمتحدث باسم البيت الأبيض القول إن السعودية أبقت واشنطن على اطلاع بشأن محادثاتها مع إيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.. ليبقى السؤال الجوهري عن النجاح الفعلي لعودة العلاقات ومدى ما يمكن أن يصله من تفاهمات يبدو أن الدور الفعلي فيها سيكون الفواعل الدولية وليس الإقليمية ضمن فصول المواجهة الصينية الأمريكية عالميًا والتي ستشهد المنطقة جزءًا منها.
This post has already been read 62 times!