• تباطؤ الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط أكثر ما قد يؤثر ميزانية الكويت
• الخسائر قصيرة الأمد قد تكون ملموسة بينما المكاسب طويلة الأمد غير مضمونة
• الرسوم الجديدة تقدم فرصاً لتعزيز الصناعة الأمريكية لكنها تحمل مخاطر كبيرة
التمهيد
في الثاني من أبريل 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق على الواردات إلى الولايات المتحدة، واصفاً هذه الخطوة بأنها “إعلان استقلال اقتصادي” و”يوم تحرير” للاقتصاد الأمريكي، وتهدف هذه السياسة إلى حماية الصناعات المحلية، تقليص العجز التجاري وإعادة توجيه الاقتصاد الأمريكي نحو الاكتفاء الذاتي، لكن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً وردود فعل متباينة على المستويين المحلي والدولي.
وفقًا لترامب، تهدف الرسوم إلى معالجة “الاستغلال” الذي تمارسه دول أخرى عبر فرض رسوم مرتفعة على المنتجات الأمريكية دون رد مقابل، مؤكداً أن الرسوم الأمريكية لن تكون “انتقامية” بشكل كامل، حيث ستكون في بعض الحالات نصف الرسوم التي تفرضها الدول الأخرى، للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.
المحور
إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي
تمثل رسوم ترامب الجمركية لعام 2025 تجربة جريئة لإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي والعالمي، رغم أهدافها المعلنة في حماية العامل الأمريكي وتقليص العجز التجاري، فإن الآثار الفعلية تعتمد على عوامل مثل ردود الفعل الدولية، قدرة الشركات على التكيف، واستجابة المستهلكين في السياق العربي، قد تكون التأثيرات محدودة على الدول النفطية، لكنها قد تُفاقم التحديات الاقتصادية لدول مثل سوريا والعراق، وتظل هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، وقد تحدد مسار التجارة العالمية لسنوات قادمة.
وكرد فعل أولى، شهدت الأسواق الأمريكية انخفاضات حادة، حيث تشير التقارير إلى أن مؤشر “S&P 500” خسر ما بين 2.4 إلى 5 تريليون دولار من القيمة السوقية خلال يومين فقط (4-5 أبريل). كما تشير بعض التقديرات إلى أن الخسائر الإجمالية منذ بداية العام قد تصل إلى 9-11 تريليون دولار إذا استمر الاضطراب.
على الجانب الآخر، الرسوم قد تجلب إيرادات حكومية تتراوح بين 258 مليار دولار إلى 1.8 تريليون دولار على مدى عقد، لكن هذه المكاسب قد لا تعوض الخسائر الاقتصادية الإجمالية، بالتالي الخسائر المتوقعة للولايات المتحدة في 2025 قد تتراوح بين 3 إلى 6 تريليون دولار، مع احتمال تصاعدها إلى مستويات أعلى على المدى الطويل إذا أدت تلك السياسة إلى ركود اقتصادي عالمي.
ردود الفعل الدولية
وصف المسؤولون الأوروبيون، الرسوم بأنها “ضربة قاصمة” للاقتصاد العالمي. من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للرد بتعرفات على السلع الأمريكية مثل فول الصويا والطائرات، مما ينذر بحرب تجارية جديدة. كندا والمكسيك الشريكان في اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الشمالية (USMCA) أبديا استياءهما، مع تهديدات بإجراءات انتقامية. الدول العربية لم تصدر ردود فعل رسمية قوية حتى الآن، لكن دول الخليج قد تسعى للتفاوض لتخفيف التأثير على صادراتها النفطية والبتروكيماوية.
الدول مثل الصين (رسوم 34%) والاتحاد الأوروبي (20%) وكندا والمكسيك (25%) أعلنت عن رسوم مضادة. في 2018، كلفت الردود الصينية المصدرين الأمريكيين حوالي 27 مليار دولار. مع نطاق الرسوم الجديدة الأوسع، قد تصل خسائر الصادرات إلى 20-30 مليار دولار سنويًا، وربما أكثر إذا تصاعدت التوترات.
تلك الرسوم ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يكلف الأسر الأمريكية ما بين 1,072 دولار إلى 3,900 دولار سنويًا حسب تقديرات “تكس فاونديشن” و”سنتر فور أمريكان بروغرس”. مع وجود حوالي 130 مليون أسرة، قد تصل التكلفة الإجمالية إلى 140-500 مليار دولار سنويًا، تضاف إلى الخسائر الاقتصادية.
تأثير الرسوم على الكويت
الكويت كإحدى الدول الخليجية، خضعت للنسبة الأساسية 10%، وهو ما يثير تساؤلات حول التأثيرات الاقتصادية المحتملة على البلاد، الكويت تعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط ومشتقاته، حيث تمثل الولايات المتحدة سوقًا مهمًا لها، لكنها ليست الأكبر (آسيا، خاصة الصين والهند، تستحوذ على الحصة الأكبر). في 2023، شكلت الصادرات الكويتية إلى أمريكا حوالي 8-10% من إجمالي صادراتها النفطية.
رسوم 10% قد تقلل الطلب الأمريكي على النفط الكويتي إذا ارتفعت تكلفته مقارنة بمصادر أخرى، لكن تأثير ذلك قد يكون محدودًا لأن النفط سلعة استراتيجية تتأثر أكثر بأسعار السوق العالمية وليس فقط بالرسوم.
في حين تستورد الكويت من الولايات المتحدة سلعًا مثل المعدات الصناعية، السيارات، والمنتجات الغذائية (مثل الحبوب واللحوم). إذا ردت الكويت برفع رسوم مضادة، قد ترتفع أسعار هذه السلع محليًا، مما يؤثر على المستهلك الكويتي ويزيد التضخم بشكل طفيف.
في المحصلة، ترتبط الكويت مع الولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية قوية منذ تحرير الكويت عام 1991، مما قد يدفع الجانبين إلى التفاوض لتخفيف تأثير الرسوم. تصريحات سابقة من وزير التجارة الأمريكي (مارس 2025) انتقدت الكويت لفرضها رسومًا مرتفعة على السلع الأمريكية، لكن الوضع الحالي يظهر أن الكويت لم تُدرج ضمن الدول ذات النسب العالية (مثل سوريا 41%)، مما يعكس مراعاة هذه العلاقة.
الخاتمة
تأثير رسوم ترامب الجمركية على الكويت يبدو محدودًا مباشرة بسبب ضعف الاعتماد على السوق الأمريكية للصادرات مقارنة بآسيا، ولأن النسبة المفروضة (10%) ليست مرتفعة. لكن التأثير غير المباشر قد يكون أكثر خطورة إذا أدت الرسوم إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط، مما يضغط على ميزانية الكويت ويؤثر على فرص العمل (البطالة حاليًا حوالي 2%) والاستثمارات. فالكويت قد تحتاج إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع آسيا وتنويع اقتصادها لتقليل المخاطر المستقبلية.
رسوم ترامب الجمركية تقدم فرصًا لتعزيز الصناعة المحلية وتقليص العجز التجاري، لكنها تحمل مخاطر كبيرة مثل التضخم، فقدان الصادرات، وتعطيل سلاسل التوريد، النتيجة النهائية ستتوقف على مدى فعالية التنفيذ، ردود الفعل الدولية، واستجابة الاقتصاد الأمريكي للتحديات الجديدة، في الوقت الحالي، يبدو أن الخسائر قصيرة الأمد قد تكون ملموسة، بينما المكاسب طويلة الأمد غير مضمونة.
This post has already been read 57 times!