أثار فيلم “حياة الماعز” ضجة كبيرة بسبب ما احتواه من هجوم مباشر على نظام العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومهاجمة نظام الكفيل، مع ما نقله من قصة عامل هندي وافد تم خداعه واستعباده في الصحراء لرعي الماعز، والذي نقلها بعد أن استطاع العودة للهند. حيث اختتم الفيلم خلاصته بأن ما جرى على العامل ليس من قبيل المصادفة أو حالة فردية، بل هي تجربة عاشها آلاف العمال.
رسالة الفيلم
يحمل الفيلم في ظاهره دفاعاً عن قيم العمالة وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، عبر نقل قصة عامل يتعرض للظلم ويسعى للهرب في تجربة كررتها السينما والأعمال الفنية كثيراً، حيث تعتمد على الجدل وإثارة العاطفة البشرية لدى الجمهور لكسب مشاهدات أعلى وبالتالي أرباحاً أكثر.
لكن التركيز في الفيلم على مبالغات خاصة وتناقضات واضحة ترتبط بالعرب والخليج العربي والمملكة العربية السعودية بالتحديد، يؤكد أن وراء الفيلم رسائل خاصة مدروسة بعناية تم إطلاقها في هذا الوقت أو على الأقل تم الاستفادة منها والتركيز عليها بشكل مقصود.
الدلالة والغايات
سواء قصد صناع الفيلم والسينما الهندية تعمد الإساءة للسعودية والعرب أم لا، فإن الفيلم بعد عرضه وانتشاره حمل إساءة واضحة ضد العرب في الهند وعلى الصعيد العالمي، رغم ادعاء صناع الفيلم أنه لا يستهدف فئة أو شعب أو عرقية بعينها.
الرواية الأصلية للفيلم قديمة بعض الشيء وإنتاج الفيلم تأخر وتعثر لسنوات بسبب مشاكل في التمويل والإنتاج، ليتم حل تلك المشاكل فجأة ويظهر للعلن، ما يبعث فينا التساؤل عن دلالة التوقيت والغاية من استهداف المملكة العربية السعودية تحديداً.
يجب هنا أن لا ننس منعطفات محورية تعيشها المملكة ومن ورائها الخليج، ضمن “رؤية 2030” والسعي للتحول إلى وجهة عالمية، وكذلك نجاحها باستضافة كأس العالم 2036، والنقلات النوعية في الصعد الرياضية والثقافية والخطط الأخرى التي جعلت أسم السعودية متداولاً بشكل أكبر على مستوى العالم، وهذا بطبيعة الحال يفجر هجمات الحاسدين والحاقدين ومن يريد ابتزاز المملكة في مواقف معينة. هذا يذكرنا بما جرى لقطر إبان استضافتها لكأس العالم 2022، والمبالغات والتركيز على قضايا العمالة وما شابه.
في العمق، الهند نفسها تعيش حالة من الغطرسة القومية الهندوسية تريد حكومتها أن ترفع من شأن البروباغندا الإعلامية الخاصة بها، ومن ضمنها كراهية العرب والمسلمين، والذي طبقوا أجزاء كثيرة منه على المسلمين الهنود أنفسهم.
بذلك تتقاطع مصالح المستفيدين من ترويج الصورة المسيئة التي بالغ فيها الفيلم على مستوى الهند والغرب وغيرهم، في تضخيم الإساءة لأغراض تتجاوز العروض الفنية.
مغالطات الفيلم المقصودة وغير المقصودة
رغم انطلاقة الفيلم على أنه قصة حقيقية، اعتبر أنه غير ناقد لعرقية أو شعب أو فئة بعينها، ثم اختتم بعبارة أن قصة الفيلم ليست تجربة فردية بل هي حالة آلاف العمالة في المملكة.
هنا نواجه أولى تناقضات الفيلم بين القصة الحقيقية التي تدعي أنها ليست موجهة ضد شعب بعينه ثم تعممها كحالة آلاف العمال!
على المستوى الدرامي يقع الفيلم في تناقض واضح عبر افتراض سيناريو من الصعب وقوعه، عبر خروج العامل من المطار قبل أن يتسلمه الكفيل الرسمي ويوقعان على التزامات العقد بينهما.
في كل بلد في العالم تحدث انتهاكات لحقوق العمال، وهناك تجارب موثقة في أمريكا وأوروبا، وهذا ما لا يمكن نفيه بشكل مطلق في أي بلد في العالم، لكن التركيز على إظهار العرب والسعوديين بصورة نمطية تتعمد الإساءة، هي مغالطة مقصودة ولا شك سواء من كاتب النص الأصلي أو من صناع الفيلم.
من المعروف عن العربي كرمه وأصول ضيافته وحسن خلقه، والتي جاء الإسلام بعدها ليكملها ويصقلها ويرفعها لأعلى الدرجات وهذا ما يعرف عن خليجنا عموماً والمملكة العربية السعودية كذلك، ولعل السعي المكرر من غالبية الجنسيات للعمل في المملكة أكبر دليل على واقعية الحياة هناك، وتناقضها مع الصورة النمطية السيئة التي يحاول الفيلم تركيزها.
المهم أن سعي المملكة لتعديل قانون الكفالة والعمالة يؤكد أن سعي السلطة لتطبيق القانون وتحسين ظروف جميع السكان هو محل نظر وتطوير مستمر، ورغم وجود بعض الأخطاء التي تعتري أي تجربة بشرية، فإن التركيز على الجزء الفارغ من أي كأس ماء، هدف مقصود لأغراض سياسية واضحة.
أولى انعكاسات الفيلم كانت الحملة المضادة التي أطلقتها عمالة أجنبية في المملكة أكدت بُعد الفيلم عن مجريات الحياة في المملكة، كما أنه يؤكد على ضرورة التنبه لأهمية الإعلام وصناعة الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت قوة مؤثرة عالمياً يجب على العرب الاستفادة الفعلية والحقيقة منها لتجاوز الخصوم والمتآمرين وأي أعداء في الحاضر والمستقبل.
This post has already been read 231 times!