على مر عقود من الزمان، شغلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأوساط السياسية حول العالم، فكل 4 سنوات يترقب العالم بأسره نتيجة تلك الانتخابات، نظراً لما تسفر عنه تلك النتيجة من رسم لسياسات العالم خلال السنوات الأربع التي تليها.
الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل، تشهد زخماً كبيراً لخصوصية أحداثها فبعد انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق الانتخابي ودخول نائبته كامالا هاريس لقيادة دفة الحزب الديمقراطي في الانتخابات أمام مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي لطالما كان مثيراً للجدل، وبين تقارير تتحدث عن احتمالية فوز ترامب وآخرى تتحدث عن إمكانية صناعة التاريخ من قبل كامالا هاريس. يظهر على الساحة سؤال يشغل بال الكثيرين وهو.. ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟
السؤال المطروح، شغل المحللون ومراكز الأبحاث، فقد أدرك الجميع خلال ولاية ترامب الفائتة أنه رئيس غير متوقع، ولا يمكن التنبؤ بما يدور في ذهنه، ونظراً للتغييرات الكبيرة التي من المتوقع أن يحدثها الرئيس الأميركي السابق في حال فوزه، يتبادر إلى الأذهان سؤال آخر.. هل يختار الأمريكيون ترامب بأيدولوجيته المعروفة مسبقاً أم يتجهون إلى اختيار المجهول مع كامالا هاريس؟
مركز طروس يستعرض في هذا التقرير، أبرز الملفات الدولية والموقف المتوقع من الرئيس السابق ترامب حيالها، والتي ستكون حتماً على أجندته حال فوزه بالسباق إلى البيت الأبيض.
القضية الفلسطينية
مثلت أحداث عملية طوفان الأقصى وما تبعها من أحداث استمرت إلى يومنا هذا هاجساً كبيراً لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، بل يرى كثيرون أن موقف الإدارة الأمريكية من الأحداث في غزة ومن المفاوضات المتعلقة بالأسرى كان سبباً رئيساً لتنحي الرئيس بايدن عن مواصلة السباق الانتخابي أمام المرشح دونالد ترامب.
الموقف الأمريكي المتوقع من ترامب حال فوزه من الانتخابات لن يتغير كثيراً عن موقف الرئيس الحالي، بل من المؤكد أن يكون أكثر دعماً للجانب الإسرائيلي، فترامب في رئاسته السابقة كان محابياً لـ “إسرئيل”، بل وتخطى السياسة التقليدية للولايات المتحدة الأميركية وأعلن القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، كما أنه اتهم بايدن صراحة بعدم دعم “إسرائيل” بما فيه الكفاية، وبأنه وقف في وجه إنجاز “إسرائيل” مهمتها في غزة، والتي في نظره كان عليها أن تنهي ما بدأته ضد “حماس”.
من المتوقع أن يقدم ترامب الدعم الكامل وغير المشروط لـ “إسرائيل”، أسوة بما فعله خلال ولايته الأولى، وأن يواصل تعزيز شرعية “إسرائيل” في المنطقة والضغط على الدول العربية لإكمال التطبيع معها، وقد يشجع ذلك “إسرائيل” على ضمّ الضفة الغربية.
إيران
على وقع التوترات الحالية بين إيران وإسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، يرى ترامب أن الوضع في الشرق الأوسط يمكن أن يقود إلى حرب عالمية ثالثة، مؤكداً أنه ما كان من الممكن أن تتعرض إسرائيل لهجوم لو كان رئيساً.
رؤية ترامب الحالية لم تتغير عن موقفه السابق من ناحية الجمهورية الإيرانية، فقد وقف ترامب ضد إيران، وتخلى عن الاتفاق النووي معها، كما وقف خلف اغتيال أحد أكبر القادة في إيران وتفاخر بأنه استطاع قتل قاسم سليماني، وقال وقتها: “كان هجوماً مثالياً”.
ترامب دعا دائما إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، وما هو متوقع أن يحافظ ترامب على هذا النهج المتشدد تجاه إيران كما فعل في ولايته الأولى، وذلك من خلال تصعيد الضغوط الاقتصادية وفرض العقوبات. كما يُنتظر أن يتعامل ترامب بشكل أكثر صداماً مع الجمهورية الإسلامية، ما سيجعل طهران تتخذ خطوات إلى الخلف للحفاظ على تموضعها إقليمياً وعلاقاتها مع دول الجوار، إضافة إلى المحافظة على خطة السير في برنامجها النووي الذي بات مستهدفاً بشكل كبير من قبل دول الغرب وإسرائيل.
الصين وتايوان
تدرك بكين أنها لن تستطيع إقامة علاقات إيجابية مع الإدارة الأمريكية في ظل وجود ترامب على رأس السلطة في البيت الأبيض، كما تدرك جيداً أنه لم ولن يكون صديقها يوما ما. وعلى الرغم من أنه كثيرا ما أشاد بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، ووقع اتفاقاً تجارياً مع الصين عام 2020 عندما كان رئيساً، إلا أن ترامب يهاجم بكين مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية الحالية، ووعد باتخاذ موقف أكثر صرامة من موقف الرئيس بايدن.
وأيد ترامب علناً خفض مستوى الوضع التجاري للصين مع الولايات المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التعريفات الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وعلى صعيد الموقف بين الصين وتايوان، لا يدعم ترامب المطالبات الصينية بضم تايوان، بل يرى ترامب أن تلك القضية تمثل مورداً للدخل، فلا يمانع ترامب أن تدفع تايوان مقابلاً للدفاع عنها، بل تجاوز الأمر هذا الحد وطالب ترامب تايوان بالدفع مقابل الدفاع عنها لأنها “لا تقدم للولايات المتحدة أي شيء بالمقابل”.
الحرب الأوكرانية
تمثل الحرب الروسية الأوكرانية واحدة من أهم القضايا على الساحة الدولية، ولطالما تناولها ترامب في خطاباته وتصريحاته مؤكداً أنه يستطيع إنهاء تلك الحرب بكل سهولة.
ترامب يرى أن أوكرانيا تشهد نقصاً في الأفراد لتنفيذ العمليات القتالية، بينما تمثل روسيا قوة عسكرية كبيرة، حققت انتصارات على ألمانيا النازية ونابليون، مبيناً أن روسيا لن توافق على إمكانية قبول أوكرانيا دولة عضو في الناتو.
وعن علاقته بالرئيس الروسي، يقول ترامب: “كنت أعرف بوتين جيداً وطورت علاقات جيدة معه، آمل في أن يعود الانسجام بيننا مرة أخرى، الزعيم الروسي “مفاوض جيد”، هذا الوصف من قبل ترامب يحمل تلميحات إلى قدرة ترامب على فتح مفاوضات مع الرئيس الروسي لوضع حد للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا من خلال إقناع الروس بوقف الحرب مقابل تخلي أوكرانيا عن فكرة الانضمام لحلف الناتو لفترة طويلة.
تلك المفاوضات لن تخرج عن إطار روسيا والولايات المتحدة، اللتين تحتلان الصدارة حالياً من حيث حجم الترسانات النووية. فترامب يريد إنهاء الملفات الدولية نظراً لقلقه المعلن بشأن التهديدات الداخلية، والتي يرى أنها أخطر بكثير على الولايات المتحدة من تلك التي تأتي من الخارج، بما فيها من الصين أو روسيا، معللا ذلك بأنه إذا كان هناك رئيس ذكي في منصبه، فلن تكون هناك مشاكل مع الصين وروسيا.
السياسة الأوروبية
على صعيد السياسة الأوروبية، ستضع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مستقبل التعاون بين الإدارة الأمريكية وحلف (ناتو) على المحك، وفقد أثار ترامب مسبقاً عاصفة من الجدل أثناء فترة ولايته السابقة بشأن مدى التزامه بالتعاون مع الحلف، وربطه ذلك بمراجعة حصص التمويل المالي للدول الأعضاء في الحلف.
كما يرى ترامب أنه سيتعين على أوروبا أن تتعامل مع مشاكلها بنفسها، وأنه لطالما عدّ دور واشنطن في (الناتو) استنزافًا للموارد الأمريكية، وهدد في أثناء وجوده في منصب الرئيس، بالانسحاب من الحلف.
وتعود مراجعة الولايات المتحدة الأميركية لأولوياتها في توجيه مواردها إلى فترة باراك أوباما عام 2012، إذ بدأ بتوجيه اهتمامات واشنطن العسكرية أكثر فأكثر نحو آسيا، وتحديدا إلى تايوان التي تعمل الصين على إعادة إدماجها. وما فعله ترامب لاحقا بدءا من 2016، هو مضاعفة هذا المسار؛ لذلك يعلم الأوروبيون أنه يجب عليهم العمل معا بشكل أكبر في مواجهة هذا الانسحاب الأميركي.
This post has already been read 105 times!