يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل رئيسي على قطاع النفط والطاقة، إلا أن قطاعاً واعداً بات أحد أعمدة الاقتصاد في البلاد ويمنح فرصة لتجاوز الاعتماد الكلي على النفط، ونقصد به قطاع المصارف والبنوك في الكويت الذي تمثله بنوك محلية وعدد من المصارف غير الكويتية الخاضعة لتوجيهات ورقابة البنك المركزي الكويتي.
أهمية القطاع المصرفي
تدير البنوك الكويتية أصولاً تقدر بحوالي 40 مليار دينار كويتي. كما تستحوذ الكويت على 30% من العمليات المصرفية الإسلامية في العالم العربي.
ومن أهم الأمثلة البارزة بيت التمويل الكويتي “بيتك”، المصنف كشركة مساهمة كويتية عامة مسجلة ومدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (KSE.KFIN)، وبورصة البحرين.
ويعتبر “بيتك” مؤسسة مصرفية إسلامية رائدة تتبع وتطبق المنهج الإسلامي في كافة تعاملاتها، فهو أول بنك إسلامي يتم تأسيسه في دولة الكويت في عام 1977، أما اليوم فقد أصبح من رواد وقادة العمل المصرفي الإسلامي في العالم.
إلى ذلك استطاع بيت التمويل الكويتي بخطوات واثقة توسيع بؤرة أعماله وإنجازاته وتبوأ مركز الصدارة في مجال العمل المصرفي الإسلامي، وأصبح مؤسسة مالية قيادية، ليس في الصناعة المصرفية الإسلامية فقط بل ضمن قطاع الصناعة المصرفية ككل، إلى جانب كونه أكبر الممولين في السوق الكويتي والإقليمي.
تاريخ عريق وأصالة ممتدة
اعتبرت الكويت مركزاً مالياً مهماً في عموم الشرق الأوسط منذ القديم، هذه الأهمية دفعت البريطانيين لتأسيس أول مصرف أجنبي في البلاد، البنك البريطاني للشرق الأوسط الذي تحوّل لاحقاً لـ”بنك الكويت والشرق الأوسط” عام 1971 وأصبح بنكاً محلياً بنسبة 100% بحسب شروط القانون (وتحول إلى البنك الأهلي المتحد وعام 2010 أصبح عاملاً بشروط الشريعة الإسلامية).
ويعتبر بنك الكويت الوطني الذي تأسس عام 1952، هو أول بنك محلي وخليجي رسمياً، وافتتح في عهد الشيخ عبدالله السالم الذي وفر له الدعم اللازم، حيث مارس في بداياته أعمالًا مصرفية بسيطة من حوالات وسحوبات واعتمادات تجارية لينطلق بعدها لمستويات احترافية.
إلى ذلك.. تنوعت تجارب الصيرفة في الكويت والتي تميزت بقيامها واستمرارها على أيدٍ محلية منذ عشرات السنين حتى الآن بنجاح وعراقة وفاعلية عكست متانة وقوة هذا القطاع وعززت الثقة المالية بالقطاع المصرفي الكويتي.
يمكن القول إن تاريخ البنوك في الكويت يرجع فعلياً إلى عام 1941 مع تأسيس البنك الإمبراطوري الإيراني على يد مجموعة من المستثمرين البريطانيين، كامتداد لفروع أخرى في العراق وإيران، ليغير بعدها اسمه إلى البنك البريطاني في إيران والشرق الأوسط. ثم في خمسينيات القرن العشرين وبعد توتر العلاقات بين بريطانيا وإيران تم تغيير اسم البنك إلى البنك البريطاني للشرق الأوسط، ليشهد عام 1971 تأميم البنك وتحويله إلى بنك الكويت والشرق الأوسط بعد صدور قانون يمنع مزاولة البنوك الأجنبية للأنشطة المصرفية في الكويت.
ويعتبر بنك الكويت الوطني والذي أسس عام 1952، أول بنك كويتي صرف، مارس في بداياته أعمالاً مصرفية بسيطة وبدائية تتلخص في الاعتمادات التجارية، وتبادل العملات، وحوالات مصرفية بسيطة، وبعض الإيداعات والسحوبات.
ثم أنشئ كل من بنك الخليج والبنك التجاري الكويتي بهدف تكبير الشبكة المصرفية في الكويت عام 1960 ليفرض هذا التوسع على الحكومة الكويتية إنشاء جهة رقابية تشرف على عمل البنوك، فتم تشكيل مجلس النقد الكويتي، والذي يعتبر نواة تأسيس بنك الكويت المركزي عام 1968.
إلا أن تطور اقتصاد الكويت رفع حاجة البلاد لشبكة أوسع من المصارف، فشهدنا تأسيس البنك الأهلي الكويتي عام 1967 وبنك الكويت والشرق الأوسط عام 1971 وبنك الكويت الدولي (البنك العقاري سابقاً) عام 1973 وبنك برقان عام 1975 وبيت التمويل الكويتي عام 1977 وبنك بوبيان عام 2004 وبنك وربة عام 2009. هذا ويعتبر بيت التمويل الكويتي ثاني بنك إسلامي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية في منطقة الخليج العربي والأول من نوعه في الكويت. أما قطاع الصيرفة فيجب أن نذكر أن شركة “المزيني للصيرفة” التي تأسست عام 1942 تصنف أول شركة في الكويت للقيام بأعمال الصيرفة.
عمل منظم وخطط متوازنة
يؤكد تأسيس اتحاد مصارف الكويت في مايو 2006 على أهمية دور المصارف في البلاد والفاعلية التي تلعبها في تحقيق رؤية البلاد في المجالات الاقتصادية والنقدية، ففي عقد السبعينات من القرن العشرين انعقد أول اجتماع تنسيقي لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المصرفي المشترك لتكون تلك الاجتماعات المبكرة بدايات التعاون والتنسيق بين المصارف الكويتية كلها، ليشهد عام 1981 تشكيل “لجنة المصارف الكويتية” بحضور ممثلين عن “بنك الكويت الوطني” و”البنك التجاري الكويتي” و”بنك الخليج” و”البنك الأهلي الكويتي”، وكذلك “بنك برقان” وبنك الكويت والشرق الأوسط (البنك الأهلي المتحد حاليًا).
هذا الاتحاد الذي أنشئ بقرار وزاري رقم 82 ليحل مكان لجنة المصارف الكويتية التي أُسست في 12 ديسمبر 1981 بموجب اتفاقية بين رؤساء مجالس إدارات البنوك الكويتية؛ حيث يشارك في عملية إعداد الكثير من الدراسات الاقتصادية ومراجعة المقترحات بقوانين لمساعدة صانعي السياسات في اتخاذ القرارات الاقتصادية المناسبة. وقد ساهم بشكل كبير بتوفير أفضل فرص التدريب بشكل مباشر أو بالتنسيق مع معهد الدراسات المصرفية للشباب وتشجيعهم على الانخراط في المؤسسات المصرفية، دون نسيان دوره الأبرز بدعم الروابط بين البنوك المحلية، والبنوك الإقليمية والدولية لتبادل الخبرات وتطوير الخدمات في القطاع المصرفي بهدف تعزيز القطاع المالي في الكويت، ليشكل ركيزة أساسية في تنمية الاقتصاد الوطني.
إلى ذلك تقوم المصارف بالكويت بحمل مسؤولية اجتماعية تصب في اتجاه التنمية المستدامة عبر الشمول والتنوع، حيث تمتد على مدى العام وتشمل المجالات الإنسانية والبيئية والصحية والثقافية والتنموية والاجتماعية والمناسبات الوطنية والأعياد والمواسم الدينية.
ويمكن ذكر مثال بارز عبر مساهمة البنوك الكويتية في مبادرة “كفاءة”، عبر دعم مبادرة تهدف إلى تطوير المجتمع من خلال التعليم والتدريب مع الاهتمام بفئة الشباب، والحرص على بناء القدرات الوطنية لتكون شريكاً فاعلاً في المسيرة التنموية للبلاد.. بالتوافق مع أجندة التنمية العالمية المستدامة خلال الفترة من عام 2015 حتى عام 2030 وأهدافها التي توافق عليها قادة ورؤساء دول العالم خلال القمة العالمية للتنمية المستدامة التي عقدت بنيويورك في سبتمبر 2015.
تصنيفات عالمية للبنوك الكويتية
كشفت “فوربس” الشرق الأوسط عن تصنيفها السنوي لأقوى 100 شركة عامة لعام 2024، الذي يسلط الضوء على أقوى شركات المنطقة من حيث الحجم والقيمة والربحية، ودخلت سبعة من البنوك الكويتية في القائمة، وفق الترتيب التالي:
حل بيت التمويل الكويتي (بيتك) في المركز العاشر بقيمة سوقية تقدر بـ 39 مليار دولار، واحتل بنك الكويت الوطني المركز الـ 16 بقيمة سوقية 23.3 مليار دولار، أما بنك بوبيان فقد حل في المركز 64 بقيمة سوقية تبلغ 8 مليارات دولار، وكان بنك الخليج في المركز 79 بقيمة سوقية تقدر بـ 3.2 مليار دولار، وجاء البنك التجاري الكويتي في المركز الـ 85 بقيمة سوقية تقدر بـ 3 مليارات دولار، كما حلت مجموعة بنك برقان في المركز الـ 89 بقيمة سوقية تقدر بـ 2.1 مليار دولار، وحلت مجموعة البنك الأهلي الكويتي في المركز 97 بقيمة سوقية تقدر بـ 1.9 مليار دولار.
هذا وأكدت آخر التقارير المالية ارتفاع أرباح البنوك الكويتية في النصف الأول من العام 2023 بنسبة 48% عن الفترة المماثلة من العام 2022، حيث تجاوزت توزيعاتها 800 مليون دولار.
في حين تظهر النتائج المالية لعام 2022 نجاحاً في القطاع المصرفي الكويتي مع ما حققته البنوك الكويتية من صافي أرباح بلغت 37.9% وما مقداره 1.14 مليار دينار (3.72 مليار دولار) عكس السابق بقيمة 827 مليون دينار. وأشارت تقارير أن نسبة نمو الأرباح في البنوك الكويتية بلغت بين 15-47 % خلال العام 2022 مقارنة بـ 2021.
التحديات التي تواجه القطاع المصرفي
بحسب صندوق النقد الدولي فإن البنوك الكويتية قادرة على الصمود بوجه الصدمات الشديدة، وجاءت تأكيدات الصندوق مؤخراً مع التحذير من تداعيات تأخر الكويت في تنفيذ الإصلاحات المالية على تنويع الاقتصاد وثقة المستثمرين في الاقتصاد، حيث اعتبر الصندوق أن الاقتصاد الكويتي يحافظ على زخم التعافي بدعم من القطاع غير النفطي.
ويمكن إرجاع أبرز الصدمات التي يواجهها القطاع المصرفي إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى استراتيجية التمويل الحكومية، دون نسيان تراجع توفر السيولة التي يمثلها صندوق الاحتياطي العام بقدر كبير في الأعوام الماضية بعد أزمة كورونا وهذا ما شهدنا نتيجته بتأخير المدفوعات المستحقة للكيانات العامة والموردين عام 2022.
كما شهدت الأسواق المصرفية في البلاد حينها تغييراً في الوظيفة الرئيسية للبنوك حين قدمت بعض البنوك قروضاً من دون فوائد لجذب العملاء، في ذات وقت التنافس بشدة في ما بينها على الحد الأقصى لقيمة القرض الممنوح الذي قد يصل إلى 70 ألف دينار (250 ألف دولار أميركي).
ومع انكشاف القطاع المصرفي الكويتي على القطاع العقاري (الذي يمثل نسبة 30 في المئة من القروض المصرفية) تبقى نسبة جيدة من المخاطر في القطاع.
وكان تقرير سابق خاص لوكالة “ستاندر آند بورز” حول التصنيف الائتماني للبنوك الكويتية ربط النظرة بمدى استعداد الحكومة الكويتية وقدرتها على التدخل وتقديم الدعم المالي للقطاع حين الحاجة. معتبراً أنه وعلى الرغم من تحسن حساب ميزان المدفوعات للحكومة الكويتية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، إلا أن استراتيجية التمويل في المدى المتوسط تبدو غير واضحة. ورأى أنه مع تراجع صندوق الاحتياطي العام ما
زال قانون اقتراض الحكومة لم يوافق عليه البرلمان حينها (في 2022)، وكذلك ما زالت الحكومة لم تحصل على الموافقة بإمكان اللجوء لصندوق الأجيال القادمة والاقتراض منه. ونذكر هنا أن احتمالات التصنيف الائتماني للبنوك الكويتية ينعكس على التصنيف الائتماني السيادي للكويت.
ونشير بذات السياق إلى أن أبرز التحديات التي تواجهها السوق المصرفية الكويتية هي محدودية تلك السوق التي تعمل بها البنوك، مع المنافسة الشديدة بين 10 بنوك على الأقل على حصة مصرفية ليست بالكبيرة، في ظل اقتصاد يعتمد بنسبة تتجاوز 80 ٪ على إيرادات النفط، بالإضافة لمحدودية زيادة أعداد السكان مع فوائض سيولة كبيرة لدى تلك البنوك تحتاج إلى توظيفها.. ما يدفعها للتفكير في التوسع الخارجي الذي شهدنا مؤشرات عليه مع السعي للتوجه إلى أسواق خارجية مثل السوق المصرفي السعودي المجاور، حيث تداولت تقارير عن سعي بنك كويتي للاستحواذ على حصة مؤثرة في مصرف سعودي قد تصل 50 في المئة. حيث تؤكد تلك التقارير أن الاستحواذات المصرفية الكبرى تواكب إستراتيجية البنك في وجود مجموعات مصرفية قوية تتمتع بإمكانات بشرية وقدرات مالية تعزز تنافسية الاقتصاد الوطني وتطلعاته المستقبلية سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.
ختاماً، يجب أن نشير إلى الأداء الجيد الذي قدمته البنوك الكويتية في فترة “أزمة كورونا” وما حملته من تحديات عالمية حينها، حيث أثبت القطاع المصرفي أنه سريع وذكي في التعامل مع المخاطر وموجه نحو العمل بحذر؛ وكانت المصارف سريعة في اتخاذ خطوات حاسمة للتخفيف من التأثير السلبي والخسائر الاقتصادية، سواء بالنسبة لها أو بالنسبة للاقتصاد الكويتي ككل. حيث لعبت البنوك دورًا حاسمًا منذ الأيام الأولى للأزمة حين تعلق الأمر بدعم الحكومة وجهود التعافي الوطنية والشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى المستهلكين الأفراد. من المساهمة في صندوق “كوفيد-19” الوطني، إلى وقف سداد التمويل، كان القطاع المصرفي مصدراً نشطاً للدعم على المستوى الوطني.. رغم ما شكله هذا الدعم مع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن كورونا، من ضغوط كبيرة قصيرة ومتوسطة الأجل على تكاليف التشغيل والسيولة المالية للعديد من العاملين في القطاع المصرفي، لكنه لم يعيق النمو بشكل دائم أو يلحق الضرر بالصناعة بشكل لا رجعة فيه. بل أثبتت البنوك حينها أنها تتمتع برؤية استراتيجية راسخة ودافع لحل المشكلات بطريقة إبداعية، كما وجدنا بنك الكويت الدولي، حيث تمكن من إيجاد الفرصة لإعادة تقييم وإحياء نماذج الأعمال وعروض العلامات التجارية بالكامل، ليس فقط للتخفيف والتعافي، ولكن أيضًا لتصميم صناعة مصرفية جديدة بشكل نشط.
الأهم في مواجهة التحديات في السوق المصرفي الكويتي ما نتج عنها من سياسات جديدة تدمج بين البنوك في كيانات موحدة تحمل أهمية خاصة ينفرد لها دراسة خاصة تتناولها كما جرى مؤخرًا باندماج بوبيان والخليج مع ملاحظة تحولها لمصارف إسلامية في خطوة لها بُعد كويتي خاص.
This post has already been read 104 times!