• التأثير السعودي في صنع القرارات الاقتصادية الدولية يدفع الكويت للمراهنة على سوقها الواعد
• المستثمر الكويتي يتجه إلى قطاعات سعودية واسعة خصوصًا الفنادق والعقارات
• المملكة تمتع بسوق كبير وبنية ديمغرافية سكانية متزايدة ما يُشكل قاعدة عملاء قوية للشركات الكويتية
• الاستثمار الكويتي يفيد المملكة عبر رفع نسبة الاستثمار الأجنبي في السوق السعودي
• رصيد الاستثمارات الكويتية في السعودية يبلغ نحو 35 مليار ريال
• الكويت تدرك ضرورة تحقيق الأمن الاقتصادي واستدامته في البلاد
إعداد مركز طروس للدراسات
يطرح قرار الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، فتح مكتب تمثيلي في السعودية، تساؤلات دقيقة حول علاقات البلدين الاقتصادية وأهميتها وما تسهم فيه من تعزيز العلاقات الثنائية، تفتح آفاق جديدة للتعاون المشترك، مع ما تعززه من التبادل التجاري والاستثماري بينهما.. خصوصًا وأن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية لديها مكاتب في لندن وشنغهاي.
أولًا: أهمية الاستثمار في السعودية
يعتبر السوق السعودي من الأسواق الواعدة والمهمة في المنطقة والعالم، نظرًا لأهمية المملكة في كل المستويات وما تعيشه من نقلة نوعية في المجال الاقتصادية ضمن الرؤية الطموحة بتخفيف الاعتماد على النفط كأساس للاقتصاد.
ونتيجة لتلك الخطة ورؤية المملكة 2030 نقلت 127 شركة عالمية مقارها الإقليمية إلى السعودية خلال الربع الأول من العام الجاري، لتسجل قفزة بنسبة 477% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
كما زادت إيرادات صندوق الاستثمارات العامة السعودي بأكثر من 100% في 2023 لتسجل 331 مليار ريال (88.5 مليار دولار)، مدعومةً بنمو القيمة السوقية للمحفظة الاستثمارية للصندوق.
• التكتيك السعودي في جذب الاستثمارات
تسعى الرياض لتقليل الاعتماد على النفط وتحقيق التنمية المستدامة في الاقتصاد المتنوع، لذلك شهدنا في فبراير 2021 خطط سعودية لوقف التعاقد مع الشركات التي لا يقع مقرها الإقليمي في المملكة مع بداية عام 2024، بشكل يساعد على خلق فرص عمل محلية لخطط التنويع الاقتصادي.
ولضمان النجاح في تلك الخطط؛ تسعى وزارة الاستثمار السعودية إلى توفير بيئة استثمارية آمنة وأكثر تنافسية، وتمثلت خطوات ذلك بإصدار حوافز ضريبية جديدة للشركات المتعددة الجنسيات لنقل مقارها الإقليمية، مثل الإعفاء لمدة 30 عامًا على ضريبة دخل الشركات وضريبة الاستقطاع المتعلقة بأنشطة المقر، إلى جانب الخصومات الحصرية وخدمات الدعم الشاملة مثل النقل والإرشاد والتيسير والاستشارات المهنية.
وجاءت الاستثناءات داعمة لتلك الخطط حيث تم استثناء العقود التي لا تتجاوز تكلفتها التقديرية مبلغ مليون ريال أو التي تنفذ خارج المملكة، أو عدم وجود أكثر من متنافس مؤهل من غير الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في المملكة لتنفيذ الأعمال أو تأمين المشتريات المطلوبة، كذلك عند وجود حالة طارئة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال دعوة الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في المملكة.
• مؤشرات نجاح الخطط الجديدة
في القطاع السياحي حققت المملكة نموًا في إنفاق الزوار القادمين من الخارج خلال الربع الأول من عام 2024 بنسبة 22.9% بالمقارنة مع الربع الأول من عام 2023، وتجاوز إجمالي إنفاقهم مبلغ 45 مليار ريال، وقد حققت فائضًا في بند السفر يقدر بمبلغ 24 مليار ريال وبنسبة نمو للفائض تتجاوز 46% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2023 وفق بيانات وزارة السياحة في المملكة التي أكدت أن إنفاق المسافرين من المملكة إلى الخارج يقدر بنحو 21 مليار ريال خلال الفترة نفسها، والتي أكدتها بيانات البنك المركزي السعودي الأولية الخاصة ببند السفر في ميزان المدفوعات.
ومع انتهاء عام 2023 نما صندوق الاستثمارات العامة السعودي بنسبة تزيد عن 100% في إجمالي إيراداته خلال عام 2023 ووصلت 331 مليار ريال ارتفاعا من 165 مليار ريال في عام 2022 بدعم من نمو القيمة السوقية للمحفظة الاستثمارية.. حيث أسهم الأداء المالي والاستثماري القوي الذي واصله الصندوق في تسجيل صافي ربح بلغ 74 مليار ريال.
وتؤكد البيانات ارتفاع موجودات الصندوق بنسبة 28% عام 2023 لتسجل نحو 3.7 تريليون ريال، مقارنة بـ2.9 تريليون ريال في نهاية 2022، و2.5 تريليون ريال بنهاية 2021 مدعومة بعدد من الاستحواذات وتحويل نسبة من أسهم شركة “أرامكو” لشركة في محفظة الصندوق.
إلى ذلك، وصلت قيمة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية 9.5 مليار ريال خلال الربع الأول من عام 2024، محققة ارتفاعًا نسبته 5.6% مقارنة بالربع الأول من 2023 حيث بلغت 9 مليارات ريال، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
ثانيــًا: الاستثمارات الكويتية في الخارج
تدرك الكويت وقيادتها ضرورة تحقيق الأمن الاقتصادي واستدامته في البلاد وتخفيف الاعتماد على النفط لضمان مستقبل أفضل، لذلك أطلقت مشروع “رؤية الكويت 2035” الحاملة لرؤى المغفور أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، باعتماد خطط تنمية متوسطة الأجل حتى عام 2035، بهدف تحويل إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار. يقود فيه القطاع الخاص النشاط الاقتصادي في ظل جهاز دولة مؤسس وداعم.
وضمن ذات التوجه نحو تعزيز الاقتصاد الكويتي، الاستثمار الخارجي أصبح أبرز محركات رؤوس الأموال التي تحقق العوائد الضخمة للكويت وتضمن وفرة وثروة مستقبلية للأجيال القادمة.. والتي تعتبر الكويت السباقة والرائدة في هذا المجال بتأسيس وابتكار فكرة الصناديق السيادية التي تستثمر أموال البلاد في الخارج، مع تأسيس الهيئة العامة للاستثمار في الكويت عام 1953، كأقدم صندوق ثروة سيادية في العالم، والذي أصبح عام 2023 رابع أكبر صندوق سيادي عالميًا ويدور أصولًا بقيمة 750 مليار دولار.
وفي تقرير خاص للمعهد الدولي لصناديق الثروات السيادية في أبريل 2023، توقع أن ترتيب الصندوق السيادي الكويتي في 2030 سيكون التاسع عالمياً من أصل 15 صندوقاً، والرابع خليجياً بـ 1.04 تريليون دولار.. جازمًا بأن يتلقى الصندوق السيادي الكويتي (مع صناديق أبوظبي وقطر) تدفقات رأسمالية ضخمة نهاية العام الحالي، بدعم من النفقات المنخفضة وارتفاع أسعار الطاقة.
إلى ذلك، عاملت الكويت صندوق الاستثمارات العامة على أنه “ذخيرة للأجيال القادمة” لمرحلة ما بعد النفط، على أساس مدى فعاليته الاقتصادية والربح الذي سيعود به، حيث كانت الاستثمارات الخارجية الكويتية حول العالم رابحة في عمومها؛ وفي عام 1976 أنشأت الهيئة العامة للاستثمار صندوق “احتياطي الأجيال القادمة”، الهادف لحماية ثروة الكويت بتحويل 50% من رصيد صندوق الاحتياطي العام في ذلك الوقت، واللافت أن الصندوق نجح في أن تكون إرادته أعلى من عوائد البترول، في الفترة ما بين 2015 – 2020، كما أكدت وزارة المالية الكويتية.
• نتائج وأرقام
أكدت بيانات بنك الكويت المركزي أن قيمة الاستثمار الكويتي المباشر في الخارج بلغ 15.3 مليار دينار بنهاية الربع الثالث من 2023، مسجلًا ارتفاعًا نسبته 9.3% وبما قيمته 1.28 مليار دينار مقارنة بنهاية الربع الرابع من العام 2022 والذي سجل خلاله الاستثمار المباشر ما قيمته 14 مليار دينار. وبحسب بيانات «المركزي»، سجل الاستثمار المباشر في الخارج خلال الربع الأول من العام الحالي 14.94 مليار دينار، وفي الربع الثاني 14.6 مليار دينار، وفي الربع الثالث 15.31 مليار دينار.
وتوضح البيانات أن توزع الاستثمار المباشر في الخارج بين 14.9 مليار دينار استثمار في حقوق الملكية ـ والتي تضم البنوك المحلية وقطاعات أخرى وشركات استثمار ـ و373.9 مليون دينار بأدوات الدين التي تضم كذلك نفس البنود.
• آلية العمل والنجاح والفشل
تحولت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية لقطب عالمي، يوزع استثماراته على 230 ألف شركة عالمية لتحقيق أفضل العوائد المتاحة وفق أدنى درجات المخاطر.. وفق آليات واضحة تستند إلى تحقيق عوائد مجدية على الاستثمار طويل الأجل باستخدام أعلى المعايير المهنية، بالشكل الذي يتيح التعامل مع المخاطر التي تتعرض لها الأسواق والتقلبات المفاجئة. مع التركيز على استراتيجية محكمة تضمن أفضل إدارة لاحتياطيات الكويت المالية، توفر إيرادات بديلة عن عائدات النفط، مع انتشار استثمارات الصندوق في أكثر من 125 اقتصادًا حول العالم بين الأسواق المتقدمة والناشئة.
ونقل تقرير صادر عن منصة “غلوبل إس دبليو إف”، أن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، تعتبر سابع أكبر مستثمر حكومي في العالم، بحجم أصول مدارة حجمها 846 مليار دولار في النصف الأول من 2024، 50 % من هذه الاستثمارات في السوق الأميركية، في حين جاءت بالمرتبة الثالثة خليجياً بعد جهاز أبوظبي للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ومن أبرز أمثلة النجاح أن مكتب هيئة الاستثمار في لندن يدير أكثر من ثلث استثمارات صندوق الأجيال القادمة، ويحظى بمعاملة خاصة من الحكومة البريطانية من ناحية الضرائب والتسهيلات والحوافز الاستثمارية.. في حين تتوزع أصول الهيئة العامة للاستثمار بين 45% أسهم و20 إلى 25% سندات، كما تستثمر نحو 10% في القطاع العقاري، وخلال السنوات الأربع الأخيرة كان التركيز على الاستثمار بالبنية التحتية في دول أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة. حيث عزز الصندوق، في 2019 – 2021، من استثماراته في الولايات المتحدة في قطاعات الأسهم والسندات، خصوصًا سندات الخزانة الحكومية، إضافة إلى العقارات والتكنولوجيا.
وكمثال عملي مباشر، نذكر أن الصندوق يملك 23.81% سلسلة “فنادق فيكتوريا جينجفراو كوليكشن” في سويسرا، كما تمتلك 7.9% من شركة “دايملر بنز” الألمانية، و6% في مجموعة “سيتي غروب”، و4.8% من شركة “ميريل لينش” في أمريكا، و1,75% في شركة “بريتش بتروليوم” البريطانية.
ثالثـًا: الاستثمار الكويتي في المملكة
شهدنا تقاربًا متزايدًا بين الكويت والمملكة في مجالات الاستثمار الاقتصادي على وجه الدقة بعد الزيارة الهامة التي قام بها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، كأول زيارة خارجية لسموه إلى المملكة في فبراير الماضي، والتي تبعتها زيارة محافظ صندوق الاستثمارات العامة في السعودية ياسر الرميان إلى الكويت، والتي كانت بهدف تعزيز مقاربات التفاهم والتعاون في المشاريع الكبرى بأسواقهما المحلية، وتنسيق المواقف الاستثمارية المشتركة دولياً. وضمن مسعى لزيادة منسوب التبادل الاستثماري بين البلدين، والارتقاء بالتعاون بينهما في هذا المجال، وتحديداً المشاريع التنموية المطروحة في السوقين السعودي والكويتي.
وتجدر الإشارة – وبحسب تصريحات رسمية – أن رصيد الاستثمارات الكويتية في السعودية بلغ نحو 35 مليار ريال (9.3 مليارات دولار) في القطاعات المختلفة كالتجزئة والاتصالات والضيافة والمطاعم.
ومع قرار الهيئة العامة للاستثمار الكويتية فتح مكتب تمثيلي في المملكة العربية السعودية، أكد وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار الدكتور أنور المضف، أن “قرار الهيئة يأتي رغبةً في توطيد العلاقات وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار بين البلدين”.
مؤكدًا أن ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطور ونمو اقتصادي كبير أدى إلى خلق بيئة استثمارية غنية جذبت انتباه العالم أجمع، كما أن اقتصاد المملكة العربية السعودية من ضمن الاقتصاديات الكبرى في العالم، وهي عضو دائم في مجموعة العشرين (G20) ولها دور بارز ومؤثر في منظمة الأوبك (OPEC)، كما تشهد المملكة تصاعدًا ملحوظًا بأهميتها الاقتصادية والاستثمارية وتعاظم دورها في صنع القرارات الاقتصادية الدولية.
ولذلك يمكننا القول إن هذا ما دفع الكويت للمراهنة والاستثمار في سوق واعد كالسوق السعودي، والذي يتطلب بطبيعة الحال وجود مكتب تمثيلي في الرياض يمكن الهيئة من اكتشاف الفرص الاستثمارية في السعودية واقتناصها بحسب التأكيدات الرسمية.
• أبرز مجالات الاستثمار الكويتي في السعودية
يتجه المستثمر الكويتي إلى قطاعات سعودية واسعة خصوصًا القطاعات العقارية والفندقية، بسبب المزايا والتسهيلات التي تُقدمها المملكة للمستثمر الأجنبي، ومع تأكيدات الرياض أن السياسات الاستثمارية في البلاد تقضي بمعاملة المستثمر الخليجي معاملة السعودي.
• الفوائد ومحركات الاستثمار الكويتي
يمكن القول بحسب تقاطع التحليلات الاقتصادية أن الفائدة الأهم في الاستثمار الكويتي في السعودية ستعود للكويت التي عاشت في الفترة الماضية انسدادًا سياسيًا انعكس على الأداء الاقتصادي منذ سنوات، فالاستثمار في السعودية يُنوع مصادر الدخل الكويتي مع خفض مخاطر الاعتماد على النفط.. دون نسيان تمتع المملكة بسوق كبير وبنية ديمغرافية سكانية متزايدة، ما يُشكل قاعدة عملاء قوية للشركات الكويتية.. في حين تستفيد المملكة من الاستثمار الكويتي عبر رفع نسبة الاستثمار الأجنبي في السوق السعودي بشكل يسهم في سرعة تحقيق رؤية المملكة للتحول الاقتصادي وتنمية الاستثمارات “غير النفطية” وتحولها إلى أحد أهم المراكز الاقتصادية إقليمياً ودولياً، خصوصًا بعد رؤية المملكة 2030 وما قدمته من فرص استثمارية ضخمة في مختلف القطاعات.
خاتمــة: أهمية الصناديق السيادية الخليجية
تؤكد التقارير الاقتصادية العالمية الصادرة عن “غلوبال إس دابليو إف”، أن الصناديق السيادية لدول الخليج رفعت وقوت هيمنتها على الصفقات التي تنفذها جهات الاستثمار العالمية المدعومة حكومياً، لتصل إلى أعلى مستوى لها في نحو 15 عاماً.
هذا واستأثرت مؤسسات من بينها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وجهاز أبوظبي للاستثمار، وجهاز قطر للاستثمار بـ54 في المئة من إجمالي 96 مليار دولار تستثمرها صناديق الاستثمار الحكومية على مستوى العالم خلال النصف الأول من 2024، وفق البيانات المذكورة التي أشارت إلى أن تلك النسبة تمثل أعلى مستوى منذ 2009. وتوضح هذه البيانات مدى الأهمية التي تمثلها صناديق الاستثمار التابعة لدول الخليج بالنسبة لتدفقات رأس المال العالمية. وتدير هذه الصناديق مجتمعة أصولاً تتجاوز قيمتها 4 تريليونات دولار.
This post has already been read 159 times!