تعيش اسرائيل تهديدًا معنويًا حقيقيًا وضعها في قفص الاتهام الدولي في الفترة الماضية مع الدعوى التي رفعتها ضدها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بتهمة القيام بإبادة جماعية للفلسطينيين بعد معارك غزة الأخيرة.
فاعلية الدعوى وأهميتها:
تقدمت حكومة جنوب إفريقيا باتهامات مباشرة بالإبادة الجماعية للكيان الصهيوني أمام المحكمة الدولية في لاهاي.
ويحمل قرار المحكمة حين صدوره صفة مؤقتة – حيث يستغرق الحكم النهائي سنوات – لكنها ذات أهمية كبيرة ضد الكيان الإسرائيلي معنويًا بل تحرج حلفائه وداعميه ويشكّل عواقب دبلوماسية وتسقط ذرائع الدعاية الإسرائيلية في ضرورة حربهم ضد غزة. حيث أن الحكم المؤقت قد يشمل قرارًا بوقف فوري للحرب وضرورة إدخال مساعدات إنسانية عاجلة والأهم إحراج كل من يريد مساعدة الكيان كالولايات المتحدة.. أي أن القرار لو صدر ضد الكيان سيؤثر على مسار الصراع والحرب ضد غزة.
آلية الإدعاء وقوائم الاتهام:
قدّمت جهة الإدعاء (جنوب إفريقيا) لائحة اتهامات تشمل ضلوع الكيان بقتل عدد كبير جدًا من المدنيين الفلسطينيين ومنع المدنيين من الوصول للغذاء والدواء والعلاج والخدمات الطبية؛ حيث استندت جنوب إفريقيا إلى تأكيدات وجود النية المسبقة لدى الكيان الإسرائيلي بالقيام بتلك الجرائم؛ حيث ارفقت بتصريحات كبار المسؤولين ضد سكان قطاع غزة سواء من المدنيين أم منتسبي حركة حما س. (من الأدلة: اتهم نتنياهو أبناء القطاع بأنهم أبناء الظلام، أما وزير دفاعه فاعتبر تدمير حما س يعني تدمير من يدعمونها ويهللون لها.. دون نسيان تصريحات وزير التراث بضرورة إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة)
ونتيجة تلك التقاطعات يتهم تقرير الادعاء حكومة الكيان الإسرائيلي بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي وقع عليها الكيان نفسه سابقًا.. وذلك من خلال القيام بقصف جوي مركز غالبية ضحاياه من المدنيين الأطفال والنساء.
خطة الدفاع الإسرائيلية:
جرى توكيل المحامي البريطاني مالكولم شو، حيث سيتناول الدفاع عن الكيان جملة من النقاط تحاول تل أبيب من خلالها تبرير موقفها في الحرب الأخيرة وعدوانها الدموي على القطاع من خلال:
– التركيز على ادعاءات اسرائيل أن حما س دمجت منشآتها العسكرية ضمن البنية التحتية والمناطق المدنية. لذلك فالخسائر المدنية غير مقصودة.
– الاستفادة من قضية الأنفاق وبنيتها العسكرية.
– التذكير بأن إسرائيل ألقت منشورات تحذيرية لسكان القطاع (لكن في الواقع قصفت ما أسمته مناطق آمنة).
– بخصوص تعليقات المسؤولين الإسرائيليين سيدافع المحامي بذريعة أنها أخرجت من مسارها وهي موجهة ضد حماس فقط.
محركات ودوافع جنوب إفريقيا:
كان رفع حكومة جنوب إفريقيا للدعوى ضد الكيان الإسرائيلي مفاجأة غير متوقعة للكيان الذي نسج جملة علاقات دولية تؤيد حربه الأخيرة.
وتتداخل أسباب تقديم دولة جنوب إفريقيا لدعوى محاكمة الكيان الإسرائيلي في لاهاي، بدءً من العلاقة الوثيقة والقديمة التي تربط جنوب أفريقيا بالشعب الفلسطيني منذ سبعينيات القرن الماضي حين ساعدت حركة التحرير الفلسطينية حركات التحرر في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتيد” الذي كان الكيان الصهيوني يدعمه بمختلف الوسائل.
أما ذريعة رفع الدعوى كون دولة جنوب إفريقيا عضو مؤسس وفاعل في اتفاقية منع الإبادة الجماعية ما يمنحها الحق بحماية تلك الاتفاقية وضمان تنفيذها.
ولابد من التذكير بحالة مشابهة في هذه الدعوى، عندما قدمت دولة غامبيا الافريقية دعوى ضد الإبادة الجماعية التي تقوم بها سلطات ميانمار ضد مسلمي الروهينغا، حيث أقرت المحكمة حينها إجراءات احترازية.
في العمق فإن ما عانته جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري المشابه لما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من فصل عنصري ممنهج، جعل مسؤولي جنوب إفريقيا أمام موقف ضروري باتخاذ تحرك يخف وطأة وشدة ما عانوا منه سابقًا ويعيشه الفلسطينيون طيلة عقود ماضية.
مآلات الدعوى وتداعياتها
للمرة الأولى تقبل دولة الكيان الصهيوني المثول أما محكمة العدل الدولية في تغير لافت لمواقفها التاريخية من عديد المطالبات السابقة بمحاكمة إسرائيل أمام الهيئات الدولية، الأمر الذي يعكس حجم التخوف الإسرائيلي من ادانة محكمة العدل الدولية لها ما سيشكّل لها ولحلفائها حرجا شديدا وهي التي طالما تمتعت بالحصانة واعتبرت بأنها كيان خارج إطار المحاسبة.
وإن مجرد اقناع المحكمة بالنظر في دعوى الإبادة الجماعية لهو انتصار قانوني له رمزيته فالحديث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي من على منصة دولية يمكن اعتباره انتصار سياسي غير مسبوق.
ختامًا، يبدو أن الدعوى في لاهاي فتحت الباب واسعًا أمام الأصوات المنادية بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بعد تقديم منظمة مراسلين بلا حدود دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهم الكيان بقتل الصحفيين بشكل متعمد بالإضافة لقتل المدنيين.
This post has already been read 225 times!