• صوت القضية الفلسطينية.. دلالات الفوز في المدينة الأكثر يهودية
• تحالف العرب والآسيويين والأفارقة يعيد رسم المشهد السياسي
• أسقط الحاكم السابق أندرو كومو بفارق تسع نقاط
• رحلة ناشط اشتراكي من أحياء المهاجرين إلى قمة السلطة المحلية
• «المدينة تنتمي إليكم» شعار حوّل المجهول إلى رمز تقدمي
• «زد الصوت!»… مواجهة مباشرة بين العمدة الجديد والرئيس السابق
في لحظة تاريخية، أعلنت شبكات إعلامية أمريكية فوز زهران مامداني، الديمقراطي الاشتراكي البالغ من العمر 34 عامًا، بمنصب عمدة نيويورك، أكبر مدينة في الولايات المتحدة. هذا الفوز يجعل مامداني أول مسلم وأول جنوب آسيوي وأول أفريقي الولادة يتولى هذا المنصب منذ أكثر من قرن، هزم مامداني المنافس البارز، الحاكم السابق أندرو كومو، الذي ترشح كمرشح مستقل بعد هزيمته في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في يونيو، بنسبة تصل إلى 9 نقاط، بينما تراجع المرشح الجمهوري كورتيس سليوا إلى المركز الثالث.

ولد مامداني في أوغندا لأب أوغندي مسلم وأم هندية، ونشأ في نيويورك حيث أصبح ناشطًا اجتماعيًا وموسيقيًا قبل دخوله السياسة. كعضو في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك منذ 2021، بنى مامداني سمعته كمدافع عن قضايا العمال والمهاجرين، مستوحى من حملة برني ساندرز في 2016. حملته الانتخابية، التي بدأت في أكتوبر 2024 كمرشح مجهول نسبيًا، تحولت إلى حركة شعبية جمعت أكثر من مليون صوت في الانتخابات التمهيدية، محققة أعلى نسبة مشاركة منذ 1969. كانت الرسالة الرئيسية لمامداني “المدينة تنتمي إليكم”، مركزة على أزمة الإسكان والتكاليف المعيشية في مدينة تعاني من ارتفاع إيجارات يصل إلى 30% في بعض الأحياء.

في خطاب النصر الذي ألقاه في بروكلين، قال مامداني: “لقد تجرأتم على الوصول إلى شيء أعظم… نيويورك ستبقى مدينة المهاجرين، مبنية من قبل المهاجرين، مدعومة من قبل المهاجرين، ومنذ الليلة تقودها مهاجرة.” استشهد بإيجين ف. ديبس، الاشتراكي الأمريكي، قائلًا: “أرى فجر يوم أفضل للبشرية.” وأضاف تحديًا مباشرًا للرئيس دونالد ترامب: “دونالد ترامب، بما أنني أعلم أنك تشاهد، لدي أربع كلمات لك: زد الصوت!” هذا الخطاب، الذي رُشِّح بكلمات عربية، أثار هتافات الآلاف من الداعمين، بما في ذلك المهاجرين اليمنيين والمكسيكيين والسنغاليين، مما يعكس التحالف الاجتماعي الذي بناه مامداني.
النجم التقدمي
بدأت حملة مامداني كتحدٍّ للنخبة الديمقراطية، حيث هزم كومو – الذي استقال كحاكم في 2021 بسبب اتهامات بالتحرش الجنسي – في الانتخابات التمهيدية بنسبة 13 نقطة. كانت الحملة مدعومة بتطوع عشرات الآلاف، خاصة الشباب تحت 45 عامًا الذين دعموه بنسبة 43 نقطة، مقابل تفضيل كومو للكبار فوق 45 عامًا بنسبة 10 نقاط فقط. استخدم مامداني وسائل التواصل الاجتماعي بذكاء، نشر فيديوهات قصيرة عن أزمة الطعام الشارعي والإسكان، مما جذب الناخبين الجدد والمهاجرين في كوينز والبروكلين.
ومع ذلك، لم تخلُ الحملة من الجدل. اتهم خصومه، بما في ذلك كومو وترامب، مامداني بالراديكالية الاشتراكية والإسلاموفوبيا، مستغلين آراءه حول فلسطين. في مقابلة مع “ذا ليت شوز” في يونيو، دافع مامداني عن نشاطه المؤيد لفلسطين، مشددًا على أنها “مركزية في هويتي”. ومع ذلك، وعد بمكافحة معاداة السامية في خطاب النصر، مشددًا على أن “قاعة المدينة ستدعم المساواة للحياة الإسرائيلية والفلسطينية واليهودية والعربية”.
الأبعاد الداخلية الأمريكية
يُعد فوز مامداني تحولًا جذريًا في السياسة الأمريكية، خاصة في نيويورك، التي تعكس انقسامات الحزب الديمقراطي بين التقدميين والمعتدلين. كأصغر عمدة منذ 1892، يمثل مامداني جيلًا جديدًا يرفض “السياسة القديمة”، كما قال في خطابه، ويضغط على قضايا مثل تجميد الإيجارات، الحافلات المجانية، ورعاية الأطفال العالمية، ممولة بزيادة الضرائب على الثرياء بنسبة 2% لمن يتجاوز دخلهم مليون دولار. هذه الوعود، التي جمعت أكثر من 2 مليون ناخب، تشير إلى تحول نحو الاشتراكية الديمقراطية، مدعومة من برني ساندرز وأليكساندريا أوكازيو-كورتيز.
داخليًا، يُرى الفوز كـ”كابوس لترامب”، الذي تدخل لدعم كومو وهدد بحجب التمويل الفيدرالي لنيويورك. سيواجه مامداني تحديات من الجمهوريين، الذين سيصورونه كـ”راديكالي يهدد الاقتصاد” قبل الانتخابات الوسطى في 2026، خاصة في نيويورك حيث تُعتبر المنافسات على مقاعد الكونغرس حاسمة. ومع ذلك، يُثني الديمقراطيون مثل غوفرنور كاثي هوكول والسيناتور تشاك شومر على تعاونه، مشيرين إلى إمكانية تعزيز التحالفات التقدمية.

بالنسبة للمهاجرين والمسلمين، الذين يشكلون 14% من سكان نيويورك، يُعد الفوز انتصارًا ضد الإسلاموفوبيا، خاصة بعد هجمات إيليز ستيفانيك التي وصفته بـ”الجهادي”. على منصة X، انفجر الاحتفال بين المسلمين، مع تغريدات تصفه بـ”صفعة للإسلاموفوبيا وإسرائيل”. هذا يعزز الثقة في الديمقراطية، حيث حقق مامداني دعمًا من الأحياء اليهودية التقدمية مثل بروكلين هييتس، رغم الانقسامات.
القضايا العربية والفلسطينية
كمدينة تضم أكبر مجتمع يهودي خارج إسرائيل (1.1 مليون نسمة)، يحمل فوز مامداني دلالات هائلة للقضية الفلسطينية. منذ سنوات الجامعة في بوودوين كوليدج، حيث أسس فرع “طلاب من أجل العدالة الفلسطينية”، كان مامداني ناشطًا لفلسطين، مشاركًا في إضراب جوع عام 2023 ضد معاملة غزة. في حملته، دعا إلى “تطبيق متساوٍ لحقوق الإنسان”، ورفض “الاستثنائية” تجاه فلسطين، ودعم حركة المقاطعة (BDS)، ووصف إسرائيل بـ”نظام أبارتهايد”.
هذا الفوز، الذي احتفل به نشطاء فلسطينيون كـ”انتصار للعدالة”، يمثل تحولًا في الخطاب الأمريكي. كعمدة، قد يدفع مامداني لقرارات محلية مثل دعم الاحتجاجات السلمية أو الضغط على الشركات للمقاطعة، مما يعزز صوت العرب والفلسطينيين في نيويورك (حوالي 700 ألف عربي). في الشرق الأوسط، احتفل إعلام قطري وكويتي بالفوز كـ”كسر للهيمنة الصهيونية”، مشيرين إلى أن غزة غيرت الرأي العام الأمريكي.
بالنسبة للقضايا العربية الأوسع، يُرى مامداني كرمز للمهاجرين العرب، الذين يواجهون سياسات الترحيل تحت ترامب. وعده بـ”مدينة للمهاجرين” قد يحمي المجتمعات العربية من مداهمات ICE، مما يعزز الدعم للقضايا مثل لبنان وسوريا. على X، وصفه نشطاء بـ”فوز لفلسطين وأمريكا”، مع فيديوهات احتفال في الشوارع المسلمة.

اللوبي الصهيوني
رغم الفوز، يواجه مامداني ضغوطًا هائلة من اللوبي الصهيوني، الذي أنفق 22 مليون دولار من 26 مليارديرًا لإيقافه، عبر منظمات مثل AIPAC وDMFI. خلال الحملة، وقع أكثر من 1100 حاخام وزعيم يهودي رسالة تحذر من “خطر مامداني على أمن اليهود”، متهمينه بمعاداة السامية بسبب دعمه لـ”تعميم الانتفاضة”، وهو شعار رفضه لاحقًا لتشجيع السلام. انقسم اليهود: 38% يدعمون مامداني، خاصة الشباب، بينما رفضه كبار السن بسبب آرائه حول إسرائيل.
بعد الفوز، أكد مامداني التزامه بوعوده، مشددًا على “السلامة للجميع”، لكنه وعد بزيارة كنس واجتماع حاخامات، مما يشير إلى توازن. خبراء مثل فيليسا ويزدوم من “نيويورك جيويش أجيندا” يرون أن الفوز “يرفض اتهامات معاداة السامية”، ويعزز اليهود التقدميين. ومع ذلك، قد يضغط اللوبي عبر الكونغرس أو التمويل، خاصة مع ترامب الذي يهدد بالعقوبات.
في النهاية، يبدو أن مامداني، بدعمه الشعبي الهائل، قادر على الحفاظ على خطابه، كما أظهر في رفضه زيارة إسرائيل كأولوية. إذا نجح في تنفيذ وعوده المحلية، قد يصبح نموذجًا للقادة التقدميين، محولاً نيويورك إلى منارة للعدالة الدولية.
النتيجة الانتخابية الرسمية (5 نوفمبر 2025):
زهران مامداني (ديمقراطي): حوالي 50.4%
أندرو كومو (مستقل): حوالي 42%
كورتيس سليوا (جمهوري): حوالي 7.1%
هذا الفوز ليس مجرد تغيير في قاعة المدينة، بل إشارة إلى عصر جديد في السياسة الأمريكية، حيث ينتصر الشعب على اللوبيات والخوف.
This post has already been read 378 times!

