• خط ديوراند.. الجذور الاستعمارية تغذي النزاع منذ القرن Theـ 19
• التكتيكات الباكستانية بين الرد الأفغاني والمخاطرة بحرب مفتوحة
• القوات الأفغانية تقوم بإعادة تعريف ديناميكيات الردع الحدودي
• الهجمات المتبادلة تحمل نمط تصعيد يعكس فشل الدبلوماسية
• تطور الصراعات الحدودية منذ عودة طالبان 2021
• مواقع المواجهات Home على امتداد 2640 كم
صدرت تصريحات أمنية إعلامية تؤكد وقوع اشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية على الحدود بين البلدين يوم السبت 11 أكتوبر الجاري بالتوازي مع اتهامات باكستانية لأفغانستان بدعم وإيواء جماعات مسلحة ضد الحكومة الباكستانية، وبينما أكد مصدر أفغاني أن القوات الأفغانية تخوض اشتباكات مع القوات الباكستانية في 7 ولايات حدودية، أوضحت تقارير أن القوات الأفغانية سيطرت على أحد مواقع الجيش الباكستاني واستولت على عدد من الآليات العسكرية وقتل 6 جنود باكستانيين في مديرية معروف بولاية قندهار، وتم اعتقال جنديين أحياء.
خلفيات التصعيد الأخير
أعلن المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد تنفيذ عملية عسكرية واسعة على طول الحدود مع باكستان، يوم الـ 12 من أكتوبر تشرين الأول 2025.
هذا التصعيد جاء بعد أيام من كمين نفذته حركة “طالبان باكستان” في منطقة “أوراكزاي” بإقليم “خيبر بختونخوا” الحدودي مع أفغانستان، قُتل فيه 11 ضابطًا وجنديًا باكستانيًا.

حيث يعتبر ذلك الكمين بمثابة الشعلة المباشرة للمواجهة، تلاه غارة جوية استهدفت مركبة واحدة على الأقل في قلب العاصمة كابول، وقيل إنها غارة باكستانية استهدفت قائدًا بارزًا بحركة طالبان باكستان.
محركات مباشرة للتصعيد
تزامن التصعيد الأخير باكستانيًا مع زيارة وزير خارجية أفغانستان “أمير خان متقي” إلى نيودلهي.. حيث تقرأ باكستان هذه الخطوة كاستفزاز سياسي، وإشارة مباشرة إلى تقارب متزايد بين أفغانستان والهند، العدو التقليدي لإسلام آباد.
لذلك الأرجح أن المؤسسة العسكرية في باكستان (الحاكم الفعلي للبلاد والدولة العميقة) وجدت أن تحركات ومواقف كابول باتت تستدعي رسالة عسكرية لإعادة ضبط التوازن، وهو ما تزامن مع توطيد العلاقات الباكستانية الأمريكية، وزيارة قائد الجيش الباكستاني عاصم منير إلى واشنطن.
تكرار المواجهات في الفترة الماضية
تزايدت وتكررت الصراعات الحدودية بين أفغانستان وباكستان بعد عودة طالبان إلى السلطة عام 2021. حيث تصرّ إسلام أباد على اتهام حركة طالبان الأفغانية بحماية وإيواء متمردي حركة طالبان باكستان الذين يخوضون تمردًا متصاعدًا ضد حكومة باكستان، رغم أن الاتهامات سابقًا كانت موجهة ضد باكستان بدعم حركة طالبان فترة الاحتلال الأمريكي.

وشهد عام 2024 سلسلة اشتباكات ومواجهات مسلحة شملت غارات جوية عبر الحدود وتبادل إطلاق النار بين أفغانستان وباكستان.
بعد انخفاض التوترات في مارس 2024، تجدد النزاع في ديسمبر 2024 مع غارات جوية باكستانية استهدفت أفغانستان، وتحديدًا في ولاية باكتيكا. شهدت أحداث ديسمبر الجولة الثالثة من الغارات الجوية الباكستانية على الأراضي الأفغانية في أقل من عامين. حيث كانت أولى الغارات الجوية الباكستانية المماثلة على الأراضي الأفغانية في عام 2022، وتلتها غارات أخرى في مارس 2024، بينما وقعت الجولة الثالثة والأحدث من الغارات الجوية الباكستانية على الأراضي الأفغانية في ديسمبر 2024.
تداخل النزاع وتموضعه الجغرافي
لا يشمل النزاع والمواجهة حكومتي البلدين فقط، بل يتضمن كذلك – بشكل منفصل- كلًا من جيش تحرير بلوشستان (BLA) وحركة طالبان الباكستانية.
مواقع المواجهات متعددة على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان، بما في ذلك شمال وزيرستان وجنوب وزيرستان ووانا وديرا إسماعيل خان وشانغلا وخوست وباكتيا.
وسُجلت هجمات لاحقة في تربت وغوادر في إقليم بلوشستان على يد جيش تحرير بلوشستان.
أبعاد تحليلية – صراع تاريخي وأمني
الجذور التاريخية للنزاع بين البلدين تعود لمرحلة الاستعمار البريطاني للهند، حيث تعتبر قضية خط ديوراند -رسمته بريطانيا في القرن التاسع عشر ليقسّم المناطق البشتونية بين أفغانستان والهند البريطانية- أحد الجذور التاريخية للصراع بين كابول وإسلام آباد حين رفضت أفغانستان الاعتراف به كحدود دولية شرعية ليبقى التوتر مستمرًا منذ تأسيس باكستان عام 1947.. لتكرر الاشتباكات مع قيام باكستان ببناء سياج حدودي، حيث اعتبرت كابول ذلك اعتداءً على سيادتها وتقويضًا لوحدة أراضيها، ما أشعل اشتباكات متكررة بين قوات البلدين.

البعد الأمني في المواجهات حاضر بقوة، حيث لوحظ تصاعد نشاط حركة “طالبان باكستان” مع استلام طالبان الأفغانية الحكم عام 2021.. فاتهامات باكستان لـ كابول بتوفير ملاذات آمنة لمقاتلي طالبان باكستان، واستخدام الأراضي الأفغانية كمنصات للتخطيط والتدريب وتنفيذ الهجمات داخل باكستان.
أما الأفغان فيصرون أن أزمة “طالبان باكستان” داخلية ولا يوجد نشاط للمقاتلين الباكستانيين انطلاقا من أفغانستان.
وفي العمق ترى قيادات طالبان – رغم عدم إعلانها- أن طالبان باكستان قاتلت بجوار نظيرتها الأفغانية خلال مرحلة الاحتلال الأمريكي، ما يفكك التحالف الراسخ بينهما في حال أي تحرك ضدها خصوصًا وأن الجيش الباكستاني تعاون مع الولايات المتحدة في غزو أفغانستان.
التكتيك الباكستاني وآلياته
بين الأزمة الأمنية والجذور التاريخية، يبقى التحدي الأمني هو الأهم بالنسبة لإسلام أباد، حيث اتجهت باكستان إلى وسائل ضغط متعدد الأدوات ضد كابول، من خلال مزيج من
– التصعيد العسكري عبر تنفيذ غارات جوية متكررة على ما قالت إنها معسكرات لحركة طالبان باكستان داخل أفغانستان.
– التضييق الاقتصادي والإنساني، حيث أغلقت باكستان المعابر التجارية الحيوية، وقيّدت حركة البضائع، ما أضرّ بالاقتصاد الأفغاني الهش المعتمد على التجارة الباكستانية. وأصدرت قرارًا بترحيل نحو ثلاثة ملايين أفغاني، ما سبب أزمة إنسانية واسعة داخل أفغانستان، مع تراجع فيه الدعم الدولي وتجمّدت المنح الأمريكية.
الانعكاسات ومسارات التصعيد
ما يجري يحمل أبعادًا دولية مهمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حيث أن الهجمات التي تستهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) والقواعد العسكرية الباكستانية التي تستضيف طائرات أمريكية تعتبر تهديدًا فاعلًا للمصالح الصينية والأمريكية في باكستان.
تنبيه: يجب التركيز أن الضربة الجوية الباكستانية في كابول هي سابقة نوعية في نمط الاشتباك بين البلدين.
فالغارات السابقة كلها تركزت على المناطق الحدودية.. لكن نقل إسلام آباد المواجهة إلى قلب العاصمة، خطوة تمثل تحديًا مباشرًا لهيبة الحكومة الأفغانية.
هذا التحدي عقّد المواجهة ورفع مستوى الأزمة وفرض على طالبان الرد بشكل محسوب حفاظًا على شرعيتها أمام شعبها، ولردع باكستان عن التمادي في هجماتها، مع تجنّب الانزلاق إلى حرب مفتوحة، وذلك عبر مهاجمة عشرات المواقع العسكرية الباكستانية على امتداد خط الحدود (2640 كيلومتر)
تعقيدات الصراع مرتبط. بأبعاده الإقليمية بين مواجهات الصين وأمريكا والدور الهندي والتفاهمات مع واشنطن حيث تضيف الأبعاد الإقليمية للصراع مستوى جديد من التعقيد، لكن حسابات العسكر في باكستان قد ترتد عكسيًا حيث دفعت طالبان لرد عسكري كبير من جهة، وقد تدفع بمزيد من تعزيز العلاقات مع الهند.

This post has already been read 383 times!

