لم تكن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران التي نفذتها في يوم الجمعة الثالث عشر من يونيو 2025 والتي أطلقت عليها «الأسد الصاعد» واستهدفت فيها المواقع النووية والعسكرية ومواقع الطاقة نتاج قرار لحظي بل سبقتها استعدادات سرية مكثفه استمرت ثمانية أشهر وفقاً لمصادر موقع «أكسيوس» الأمريكي.
لقد قوبلت الضربات الإسرائيلية بموجة من الضربات الإيرانية الانتقامية والتي أطلقت عليها «الوعد الصادق 3»، استهدفت فيها مواقع متعددة في أنحاء إسرائيل.
لقد كان واضحاً أن السبب الرئيسي من وراء هذا التحرك الإسرائيلي الذي تبعته تصريحات متعددة تتمحور كلها حول ضرورة تفكيك المحور الإيراني وإضعاف قوته لإزالة هذا التهديد.
كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حصول إيران على سلاح نووي هو بمثابة تهديد وجودي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
تحقيق هذا الهدف كان بمساندة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية عبر استهداف منشأة «فوردو» لتخصيب اليورانيوم وكذلك منشأتي «نطنز» و«أصفهان» باستخدام 12 قنبلة من طراز «جي بي يوم 57 – الخارقة للتحصينات».
إن تأكيد الولايات المتحدة بضلوعها في هذا الهجوم خلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً أماكن تواجد القواعد العسكرية الأمريكية – كقاعدة العديد في قطر التي شنت عليها إيران هجمات صاروخية.
وعلى الرغم من تنسيق إيران لهذه الهجمات مع مسؤولين قطريين، إلا أن القواعد العسكرية الأمريكية ستكون الهدف الواضح والصريح لإيران في المنطقة للرد على القصف الأمريكي للمنشآت النووية في إيران،وفقاً لتقارير إخبارية نقلت عن مسؤول إيراني تصريحاً بأن إيران تريد أن تدفع الولايات المتحدة ثمن الحرب بما أنها تدخلت فيها بشكل مباشر.
إن الواقع الذي تعيشه المنطقة لا ينطوي على هذين الجانبين فقط، فتأثير هذه الضربات المتبادلة بين الطرفين جعل منطقة الشرق الأوسط تعيش مخاوف خطر اتساع رقعة الصراع ليشمل مناطق مختلفة وتأثيرات وأبعاد متعددة تشمل الجانب البيئي من خطر الإشعاعات، والجانب الاقتصادي بعد أن هددت إيران بإغلاق مضيق «هرمز» – الذي يعتبر أهم نقطة عبور للنفط في أحد أهم ممرات النفط في العالم حيث يعد نقطة عبور حيوية للنفط الخليجي وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وبالاستناد إلى تتبع ناقلات «فورتيكسا» Vortexa Tanker Tracking – بلغ متوسط تدفق النفط عبر المضيق في الربع الأول من عام 2025 ما يقارب من 20 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 20% من استهلاك البترول العالمي.
وتعتبر الأسواق الآسيوية وفي مقدمتها الصين المستورد الأساسي للنفط الخام المنقول عبر مضيق «هرمز»، حيث استوردت ما يقارب من 84 % من إجمالي النفط الخام و83 % من إجمالي الغاز الطبيعي.
إن المضي قدماً بهذا التهديد ستقابله تحديات مختلفة:
• هل تُقدم إيران على هذه الخطوة مما يلحق الضرر بالحليف الصيني الذي دان الهجوم عليها وكان صريحاً بدعمها ومعارضاً لهذه الهجمات التي اعتبرها تنتهك سيادة إيران؟
• هل ستتجرأ إيران على هذا التصرف الذي قد يجر معه غضباً عالمياً لأنه سيرفع أسعار النفط بشكل جنوني مما قد يزيد ويعقد مشكلة تضخم الأسعار التي طالت العالم منذ سنوات، مما قد يضيف المزيد من الأعداء العالميين؟
• أم أن الضربات الإسرائيلية المتكررة والتي تبعتها ضربات أمريكية كذلك على إيران ستعيق وتؤثر على قدرة إيران بالمضي قدماً في تنفيذ هذا التهديد؟
إن إسرائيل تنتهج سياسة «حافة الهاوية – Brinkmanship» تلك السياسة التي ارتبطت بوزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، والتي عرّفها توماس شيلينغ في كتابه الأسلحة والنفوذ بأنها «التلاعب بالمخاطر المشتركة للحرب»، حيث تهدف هذه السياسة إلى دفع الأحداث إلى حافة صراع فعلي لتحقيق نتيجة إيجابية من خلال دفع الخصم وإجباره على التراجع وتقديم تنازلات بدلاً من الاندفاع نحو صراع بلا منفعة.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة إلا أنها قد تؤدي أحياناً إلى حرب أكبر وأشمل واتساع فجوة الصراع مما قد يقود إلى خسائر أكبر من الوضع السابق.
إن الخروج من هذا المأزق يتطلب تضافر الجهود الإقليمية وكذلك الجهود الدولية للتهدئة والاحتواء لتقليص الخسائر، حيث أن العالم سيتضرر من عدم الاستقرار، لكن منطقة الشرق الأوسط ستكون بالتأكيد هي المستنزف الأول في حال استمرار هذه الهجمات المتبادلة واتساع رقعة الصراع.
د. نوف عبداللطيف الجسار
أستاذ مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت
This post has already been read 483 times!

