تعتبر تجربة البنوك في الكويت تجربة هامة وتحتل حيزاً كبيراً في الاقتصاد الكويتي ولها أبعاد عالمية، ما جعل هذا القطاع يحتل مكانة رائدة في الاقتصاد الكويتي وتحتاج لمزيد من الاهتمام لما تحمله من آفاق واعدة يمكن من خلالها العبور بالاقتصاد الوطني من الريعي إلى اقتصاد مستدام.
أولاً: أهمية قطاع البنوك وحصته في اقتصاد البلاد
يوجد في الكويت عدد من المصارف المحلية وأخرى أجنبية، جميعها تخضع لإشراف وتوجيه المصرف المركزي الكويتي. ويصل عدد البنوك العاملة في الكويت إلى 22 بنكاً تعمل بحسب تراخيص من البنك المركزي الكويتي، وتنقسم إلى بنوك تقليدية وبنوك إسلامية، وبنوك محلية وأخرى أجنبية.
وتشغل هذه البنوك حصة معتبرة في الكتلة المالية في البلاد وتدير أصولاً بقيمة تتجاوز 40 مليار دينار كويتي (قرابة 130 مليار دولار أمريكي) ما يعكس أهمية هذا القطاع.
النقطة المهمة الأخرى هي قطاع الصيرفة الإسلامية والذي تحتل فيه بنوك الكويت قرابة 30% من عمليات المصارف الإسلامية في المنطقة. وكان للكويت دور رائد وسبّاق في إنشاء البنوك العاملة وفق الشريعة الإسلامية في منطقة الخليج حيث أُنشئ فيها ثاني بنك إسلامي هو بيت التمويل الكويتي سنة 1977.
واليوم تعمل ستة بنوك إسلامية في الكويت، هي:
– بيت التمويل الكويتي.
– بنك الكويت الدولي.
– بنك بوبيان.
– البنك الأهلي المتحد.
– بنك وربة.
– بنك الخليج.
وهناك عدد من المصارف تتجهز لتحويل معاملاتها المصرفية من النظام التقليدي إلى الإسلامي مثل بنك الكويت التجاري.
أما المصارف الأجنبية في الكويت فهي 11 بنكًا تعمل على تقديم الخدمات المصرفية للأفراد والشركات في قطاع المصارف الكويتية.
وتتنوع تصنيفات بنوك الكويت عالمياً، حيث يأخذ بعضها تصنيف (A+) كبنك الكويت الوطني وفق تصنيف مؤسسة (ستاندرد أند بورز).
حيث يأخذ بنك الكويت الوطني أعلى التصنيفات في العالم العربي والعالم الناشئ، وهو ضمن قائمة أكثر البنوك أماناً في العالم حيث وصل المركز الرابع والأربعين.
ثانياً: تاريخ القطاع المصرفي الكويتي
اعتبرت الكويت مركزاً مالياً مهماً في عموم الشرق الأوسط منذ القديم، هذه الأهمية دفعت البريطانيين لتأسيس أول مصرف أجنبي في البلاد، البنك البريطاني للشرق الأوسط الذي تحوّل لاحقاً لـ “بنك الكويت والشرق الأوسط” عام 1971 وأصبح بنكاً محلياً بنسبة 100% بحسب شروط القانون (وتحول إلى البنك الأهلي المتحد وعام 2010 أصبح عاملاً بشروط الشريعة الإسلامية).
ويعتبر بنك الكويت الوطني الذي تأسس عام 1952، هو أول بنك محلي وخليجي رسمياً، وافتتح في عهد الشيخ عبدالله السالم الذي وفر له الدعم اللازم، حيث مارس في بداياته أعمالًا مصرفية بسيطة من حوالات وسحوبات واعتمادات تجارية لينطلق بعدها لمستويات احترافية.
إلى ذلك.. تنوعت تجارب الصيرفة في الكويت والتي تميزت بقيامها واستمرارها على أيدٍ محلية منذ عشرات السنين حتى الآن بنجاح وعراقة وفاعلية عكست متانة وقوة هذا القطاع وعززت الثقة المالية بالقطاع المصرفي الكويتي.
● تجارب ملهمة:
توجهت الدولة إلى دعم القطاع المصرفي في البلاد ليدعم بدوره الحركة التجارية والصناعية بهدف نقل واقع البلاد الاقتصادي لمستويات متقدمة.
ومن أبرز أمثلة هذا الدعم، مبادرة الحكومة عام 1973 لإنشاء بنك الكويت الصناعي متفقة بذلك مع رغبة القطاع الخاص بإنشاء هذا البنك؛ في خطوة نوعية تشجع من خلالها الدولة النشاط الصناعي عبر أول مصرف متخصص بالتمويل ودعم التنمية الصناعية في دول الخليج.. واليوم يبلغ رأسمال البنك قرابة 20 مليون دينار كويتي.
● أزمات وهزات واجهت القطاع المصرفي:
واجهت البنوك في الكويت عدة أزمات كبرى مثلما جرى إبان الغزو العراقي الغاشم.. كما واجهت تبعات الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي أثرت بشكل مباشر حينها على أسعار النفط انخفاضاً ما أثر على الحالة المالية للدولة.
تأثير الأزمة على القطاع المالي تمثل بفقدان الثقة لدى المستثمرين الذين تأثروا بالعوامل النفسية في حين واجهت شركات استثمارية أزمات مع مطالبات بنوك عالمية بسداد مبكر للقروض قصيرة الأجل ورفض تمديد وتأجيل سداد القروض.
إلا أن المصارف المحلية في البلاد لم تواجه أزمات كبيرة بسبب طبيعة العلاقة المحدودة مع البنوك العالمية والسياسة المتحفظة في قضايا الاستثمار بسوق الأسهم.
وفي عام 2012، احتل بنك الكويت الوطني المركز السابع من بين أكثر 10 بنوك أماناً في العالم، وفق تقرير بثته شبكة CNN الأميركية، حيث أكد التقرير حينها أن بنك الكويت الوطني هو البنك العربي الوحيد الذي جاء في القائمة، التي اعتبرت أن استقرار البنوك مصدر قلق بالنسبة للشركات والمستثمرين في ظل الأزمة الاقتصادية التي مرّ بها العالم وخاصة أوروبا.
أما الحكومة ولمواجهة تبعات الأزمة؛ أقرت قانون الاستقرار المالي الذي تضمن من خلاله 50% من قيمة أي قرض جديد للمؤسسات الاستثمارية لدعم الشركات المتعثرة بالتوازي مع تخفيض المركزي لمعدلات الفائدة على الدينار بقدر 25 نقطة أساس لتشجيع الاقتراض.
ثالثاً: الواقع الحالي – الأرباح والتحديات
أكدت آخر التقارير المالية ارتفاع أرباح البنوك الكويتية في النصف الأول من العام 2023 بنسبة 48% عن الفترة المماثلة من العام 2022، حيث تجاوزت توزيعاتها 800 مليون دولار.
في حين تظهر النتائج المالية لعام 2022 نجاحًا في القطاع المصرفي الكويتي مع ما حققته البنوك الكويتية من صافي أرباح بلغت 37.9% وما مقداره 1.14 مليار دينار (3.72 مليار دولار) عكس السابق بقيمة 827 مليون دينار. وأشارت تقارير أن نسبة نمو الأرباح في البنوك الكويتية بلغت بين 15-47 % خلال العام 2022 مقارنة بـ 2021.
حققت البنوك التقليدية 57.5% من أرباح القطاع، أما البنوك الإسلامية فاستحوذت على 42.5% منها. ونال بنكا الكويت الوطني وبيت التمويل الكويتي، حصة الأسد من إجمالي أرباح المصارف مع نسبة 76.03% في عام 2022.
إلى ذلك، أكدت تقارير مالية أن إجمالي أصول البنوك الكويتية وصل مع نهاية 2022 إلى 114.12 مليار دينار ( 372.6 مليار دولار) بنسبة نمو 22.78% على أساس سنوي.
حيث تصدّر بيت التمويل الكويتي قائمة البنوك المحلية من حيث إجمالي الأصول بقيمة 36.96 مليار دينار وبنسبة نمو بلغت 69.7% مقارنة بـ 21.78 مليار دينار في الفترة المقارنة من العام 2021.. ثم بنك الكويت الوطني بإجمالي أصول بلغ 36.33 مليار دينار وبنسبة نمو سنوي بلغت 9.3% مقارنة بـ 33.25 مليار دينار في الفترة المقارنة من العام 2021، وحل ثالثاً بنك بوبيان بإجمالي أصول بلغت 7.88 مليارات دينار وبنسبة نمو سنوي بلغت 7%.
● محركات النمو والمحفزات:
توازى هذا النمو مع التحسينات التي شهدتها بيئة البنوك التشغيلية وبدء مراحل التعافي -ما بعد جائحة كورونا- في الأنشطة الاقتصادية وما ارتبط بذلك من هبوط مخصصات خسائر الائتمان المحجوزة في بيان الأرباح والخسائر. (تراجع إجمالي مخصصات البنوك قرابة 50% أو ما يعادل 302 مليون دينار، من 605 مليون عام 2021.. ما دعم نمو أرباح الشركات، مع ارتفاع الإيرادات التشغيلية لنسبة 13.8%).
● تحديات رغم النمو والأرباح:
بحسب صندوق النقد الدولي فإن البنوك الكويتية قادرة على الصمود بوجه الصدمات الشديدة، وجاءت تأكيدات الصندوق مؤخراً مع التحذير من تداعيات تأخر الكويت في تنفيذ الإصلاحات المالية على تنويع الاقتصاد وثقة المستثمرين في الاقتصاد، حيث اعتبر الصندوق أن الاقتصاد الكويتي يحافظ على زخم التعافي بدعم من القطاع غير النفطي.
وأكد مختصون ماليون أن البنوك الكويتية استفادت مباشرة من خطوة المركزي الكويتي برفع أسعار الفائدة ما انعكس على أرباحها.. توازياً مع ذلك اعتبر رؤساء بنوك كويتية – كرئيس بنك وربة – أن تذبذب الأسواق في الربعين الثالث والرابع من عام 2022 وتغيرات أسعار الفائدة سبب تغيرات كبيرة في نسب الأرباح هبوطاً لدى البنوك، حيث تسبب قرار رفع العوائد على الودائع مع تثبيت سعر الخصم، بزيادة تكلفة الأموال لدى البنوك، وبالتالي أرباحها.
ليؤكد المختصون أن استقرار أسعار الفائدة يعتبر من أبرز التحديات التي تواجه البنوك الكويتية في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى أسعار النفط التي تنعكس بدورها على مداخيل الدولة وبالتالي على حجم الإنفاق الحكومي.
ويرى كثير من المختصين أن الحكومة الكويتية مطالبة بطرح مزيد من المشاريع التنموية الكبرى، كي تستمر البنوك في تقديم التمويلات المناسبة لها، ما ينعكس إيجاباً على واقع القطاع المصرفي في البلاد.
This post has already been read 95 times!