• منظومة أمنية جديدة تتشكل: الخليج لا يكتفي بالمظلة الأميركية
• اتفاقية دفاع استراتيجي بين الرياض وإِسلَام آبَاد: تحالف بمضامين كبرى
• تبادل استخباراتي وتوحيد أنظمة التسليح لتعزيز التكامل العملياتي
• غرف عمليات وقوات تدخل سريع ضمن بنود التعاون المشترك
• التحالف يحمل أبعادًا سياسية أوسع من كونه مظلة عسكرية فقط
جاءت الضربة الإسرائيلية والعدوان الصارخ على دولة قطر كحلقة أخيرة سرّعت من ضرورة بناء خيوط أمنية جديدة تشمل دول المنطقة وفواعلها الرئيسين وعدم الاتكاء الكلي على المظلة الأمنية الأمريكية.. فبرزت بعد الضربة نقاشات حادة في عواصم القرار لبحث أنجع السبل -خصوصًا خليجيًا- حيث فتحت الرياض الباب عريضًا على سلسلة مشاورات إقليمية قادت إلى اتفاقية دفاعية مع باكستان، تفتح باب تساؤلات كبرى عن أهمية هذه الاتفاقية وانعكاساتها وإذا ما كانت ستفتح الباب أمام تحالفات إقليمية جديدة تغاير البنية الأمنية القديمة.

اتفاقية دفاع استراتيجي
يُعرف ميثاق الدفاع (أو اتفاقية الدفاع المشترك) بأنها نوع من المعاهدات أو التحالفات العسكرية، يتعهد فيه الموقعون بدعم بعضهم البعض عسكريًا والدفاع عن بعضهم البعض. حيث يُحدد الموقعون التهديدات وكيفية الاستعداد الملموس للرد عليها معًا. وهي حق سيادي للبلدين شأنها شأن الاتفاقيات الدفاعية الدولية القائمة في الوقت الحاضر.
وتعتبر اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك من أرفع مستويات التعاون العسكري والأمني، وتحمل دلالات سياسية وجيو استراتيجية عميقة و أبرز ما تعنيه هذه الاتفاقية:
– الالتزام بالحماية المتبادلة يتعهد الطرفان بالدفاع عن بعضهما في حال تعرض أحدهما لهجوم خارجي.
– تنسيق السياسات الدفاعية: يتم توحيد الرؤى حول التهديدات المشتركة ووضع استراتيجيات موحدة للتعامل معها.
– إنشاء آليات للرد السريع: تُنشأ غرف عمليات مشتركة أو قوات تدخل سريع للتعامل مع الأزمات العسكرية.
– تبادل المعلومات الاستخباراتية يشمل ذلك تقاسم البيانات حول التهديدات الإرهابية أو التحركات العسكرية المعادية.
– تدريبات ومناورات مشتركة: تُجرى تدريبات دورية لتعزيز الجاهزية القتالية والتكامل العملياتي بين القوات.
– توحيد أنظمة التسليح والاتصالات يتم اعتماد تقنيات متوافقة لتسهيل التنسيق الميداني.
– بناء قواعد عسكرية مشتركة قد تشمل الاتفاقية السماح بوجود قوات من الدولة الأخرى على أراضي الطرفين.
– تقاسم التكاليف الدفاعية: يتم الاتفاق على توزيع الأعباء المالية المرتبطة بالتحصين والدعم اللوجستي.
– تعزيز الردع الإقليمي ترسل الاتفاقية رسالة قوية للخصوم بأن أي اعتداء سيواجه بتحالف متماسك.
– توطيد العلاقات السياسية تعكس الاتفاقية مستوى عال من الثقة والتقارب بين البلدين.
– إطار قانوني ملزم تصاغ الاتفاقية ضمن معاهدات دولية تضمن الالتزام بها أمام المجتمع الدولي.
– قابلية التحديث والتطوير: تراجع الاتفاقية دورياً لتواكب التغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية.
وشهد يوم الأربعاء الماضي 17 سبتمبر الجاري، توقيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف اتفاق دفاع استراتيجي مشترك.
وبحسب البيان المشترك، فقد جاءت الاتفاقية في إطار سعي البلدين في تعزيز أمن البلدين وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، وبهدف تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء، منوهة أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما.

التوقيت والأهمية
تعيش المنطقة أجواء تصعيد إقليمي غير مسبوق، دفع الرياض وإسلام أباد، لصياغة تحالف عسكري يضعنا أمام مرحلة علاقات دفاعية جديدة، بعد ضربة قطر التي مثلت هجومًا صارخًا على منظومة الأمن الخليجي.. وتهديدات الكيان باستهداف أي دولة في المنطقة تعترض الخطط الإسرائيلية، في ظل استمرار حرب غزة ونية تهجير سكانها.
أهمية الاتفاقية تنبع من الرسالة التي تبعثها للكيان الصهيوني من جهة ولواشنطن من جهة أخرى، فسكوت واشنطن المريب عن صفاقة التصرفات الصهيونية جعل المظلة الأمنية الأمريكية موضع شك وتساؤل، فالاتفاقية والتحالف الجديد لا يمثل قطيعة مع الولايات المتحدة لكنه رسالة مباشرة أن المملكة ودول الخليج (بحكم ميثاق الدفاع الخليجي المشترك) لن تبقى منتظرة المبادرات الخارجية لحمايتها.
الرسالة التي تحملها الاتفاقية لإسرائيل مباشرة وأن اعتداءات الكيان ليست معفية من الحساب وهذا ما يمثله الردع النووي الباكستاني والذي أكدته تصريحات وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، بأن قدرات بلاده النووية يمكن أن تُستخدم في إطار اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك مع الرياض.
ويعتبر فشل الشرعية الدولية ومؤسساتها، خاصة مجلس الأمن، المحرك الرئيسي الذي دفع الدولتين – وغيرها مستقبلًا- للاعتماد على نفسها لبناء منظومات أمنية فعالة.
أهداف وبنود المعاهدة
اعتبر متحدث الحكومة الباكستانية، مصدق مالك، في تصريحات إعلامية أن اتفاقية “الدفاع الاستراتيجي المشترك” لا تسعى إلى مهاجمة أحد، وتعد رسالة أخوة، وتشابه ميثاق حلف الناتو الدفاعي.
كما أشارت الحكومة الباكستانية أن الاتفاقية الدفاعية التي تربطها بالرياض تعزز تبادل الخبرات العسكرية والتكنولوجية كذلك بجانب التدريب، وتعزيز مستوى العلاقات الدفاعية والاقتصادية مع المملكة.
وقال بيان مشترك للبلدين إن اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك، تهدف إلى تعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء، حيث تنص الاتفاقية على أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما.
العلاقات السعودية الباكستانية – تميز خاص
تعتبر العلاقات بين الرياض وباكستان متجذرة منذ استقلال الأخيرة عام 1947، حيث تشمل تعاوناً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إضافة إلى تبادل الخبرات والمناورات.
لذلك جاءت الاتفاقية كـ تتويج لعقود من العلاقات المميزة بين السعودية وباكستان.
تؤكد إسلام آباد أهمية علاقاتها مع المملكة في محددات السياسة الخارجية الباكستانية والسعي لتطوير العلاقات الثنائية لتكون علاقتها أقوى من قبل مع الرياض التي تعتبر بدورها باكستان أقرب حلفائها من غير العرب وأقرب حليف من المسلمين. وبحسب مركز بيو للدراسات أن 95% من الباكستانيين يفضلون السعودية ولا يرون فيها أي شي سلبي.
هذا وتمتلك باكستان جيشًا من أكبر الجيوش في العالم وهي الدولة “المسلمة” الوحيدة التي تملك أسلحة نووية مما جعلها مميزة في نظر السعودية التي لم تبخل عليها بالدعم والتشجيع والتمويل في مختلف برامجها العسكرية والسياسية ويقام بين البلدين مناورات عسكرية مشتركة متكررة وسبق أن تفاوضت السعودية على شراء صواريخ باليستية باكستانية قادرة على حمل رؤوس نووية (عام 2013 صرحت هيئة الإذاعة البريطانية أن المملكة العربية السعودية قد استثمرت في مشاريع الأسلحة النووية الباكستانية. رغم النفي الرسمي من باكستان والمملكة العربية السعودية للخبر).
ولكن العلاقات رغم تميزها، شهدت مراحل مد وجزر بحسب الظروف السياسية.. ويجب الاستذكار أن باكستان لم تنخرط تاريخياً في أي مواجهة مباشرة إلى جانب الدول العربية في محطاتها الكبرى، ولم يتم استخدام الردع النووي الباكستاني كورقة فاعلة.

الكواليس – قراءة تحليلية
تحمل الاتفاقية أهمية كبرى وهي نقطة فارقة في البنية الأمنية للمنطقة ورؤية المملكة المستقبلية في ظل أصوات عديدة ترى سكوت وتراجع الدور العربي أمام المحور غير العربي في الدول الإسلامية (باكستان – إيران – تركيا) وتبعث رسالة إلى الداخل العربي والإسلامي، بأن بناء الثقة والتكامل الدفاعي بات ضرورة وجودية لا خياراً سياسياً، حيث أنه انعدام الثقة بين الدول العربية والإسلامية كان العقبة الأبرز أمام تشكيل قوة موحدة.

في العمق، العتب السعودي الخليجي واضح عبر الاتفاقية وموجه للحليف الأمريكي، رغم عدم اليقين أن هذه الاتفاقية سينتج عنها سريعًا قيام منظومة دفاعية متكاملة قادرة على تأمين الأمن القومي الخليجي والعربي.
ومع ما تمتلكه الرياض من قدرات عسكرية متقدمة وتشتمل عتادًا متطورا يتجاوز حتى باكستان -إذا استثنينا الردع النووي- يمكن قراءة التحالف برؤيته السياسية والإستراتيجية أكثر من أهميته كمظلة عسكرية، وكرد على سياسة ترامب “أمريكا أولًا” التي تفرض قيام تحالف وفق تحركات الدول الخاصة.
لكن المؤكد أن هذه التحركات تعكس توجهاً واضحاً نحو نسج خيوط أمنية جديدة قد تفضي في مراحل لاحقة إلى منعطفات مختلفة من التحالفات الاستراتيجية في المنطقة.
This post has already been read 513 times!

