التاريخ لا يعيد نفسه، لكن مشاهده تتكرر بأفراد وغايات مختلفة، غالبًا دينية أو قومية، الكيانات المتجبرة تسعى لإضعاف الآخر أو إزالته، كما فعلت الدولة الفاطمية (العبيدية) والدولة الصفوية والجمهورية الإيرانية المعاصرة، هذه الكيانات استخدمت الدين كغطاء شرعي لتحقيق أهدافها السياسية، وساندت طرفًا ثالثًا لتعزيز مصالحها، فالدولة الفاطمية لم تحرر القدس، بل ساعدت الصليبيين في احتلالها، والصفويون تحالفوا مع البرتغال ضد الأتراك والعرب، وإيران الحالية تستخدم شعار تحرير المسجد الأقصى كحجة دينية، بينما تبني حواجز بينها وبين القدس وتتغلغل في الدول العربية لتوسيع نفوذها.
في عهد المستعلي بالله الفاطمي (487-495هـ/1094-1101م)، كانت مناهضة السلاجقة السنة غايته الأكبر، فتحالف مع الحملة الصليبية الأولى (488هـ/1095م)، وساند الصليبيين في حصار أنطاكية، واتفق معهم على تقسيم بلاد الشام: الشمال للصليبيين والجنوب للفاطميين، كذلك، تحالف أسماعيل شاه الصفوي، أول حكام الدولة الصفوية، مع البرتغال بقيادة ألفونسو البوكيرك، الحاكم البرتغالي في الهند، ضد الأتراك والعرب، عرض البوكيرك دعمًا عسكريًا للصفويين ضد قلاع الأتراك في الهند، وأبدى استعداده لمساندتهم في مهاجمة مكة أو مدن الخليج العربي كجدة وعدن والبحرين والقطيف والبصرة، هذه التحالفات تكشف كيف استخدمت هذه الكيانات الدين كأداة لتحقيق أطماع سياسية، متعاونة مع قوى اعتُبرت معادية للإسلام.
إيران المعاصرة تسير على النهج ذاته، تتغلغل في الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن، وتدعم المقاومة الفلسطينية ليس دفاعًا عنها أو عن الأبرياء، بل لمنع انهيارها كحاجز بينها وبين الكيان الصهيوني، تفاديًا للحرج أمام أنصارها، الكيان الصهيوني، منذ زرعه في المنطقة، يسعى للهيمنة على الشرق الأوسط، ويعتبر القدس منطلقًا لغايته الكبرى، كلا الطرفين، إيران والكيان، يتسابقان للسيطرة على المنطقة، وكلاهما يظلم شعوبهما ويعمل كأداة لقوى أخرى.
الصمت تجاه هذا الصراع ليس عيبًا، فالقوة والحضور السياسي يحددان الموقف، اتخاذ الحيطة دون استفزاز الأطراف المتناحرة هو الأصح، مع التركيز على حماية الدين والهوية ومواجهة ظلم الإنسان. إيران والكيان يشتركان في الضرر الذي يلحقانه بالعرب والمسلمين. إيران عاثت في دول عربية بشكل معلن أو خفي، بينما الكيان يسعى لفرض التطبيع ونفوذه، إذا انتصر أحدهما، سيتوجه للخليج العربي: الكيان لتعزيز هيمنته، وإيران بدعوى “الانتصار” على الكيان، لكن هدنة محتملة بينهما قد تحدث، إذ يتحكم بهما طرف واحد.
العرب والمسلمون ليسوا محايدين، فالكيان مغتصب وإيران مصدر إزعاج، تحرك دول الشرق الأوسط يجب أن يهدف لحفظ السلام الدولي وحماية الأبرياء، لا دعم أنظمة سياسية مختلقة، بعض السذاجة تظهر في إسقاط أحداث تاريخية، كالصراع بين الفرس والروم زمن النبي (ص)، لدعم الكيان ظنًا أنه من أهل الكتاب، وهو قياس باطل، الصراع الحالي ليس بين يهود وفرس، بل بين كيان مغتصب ونظام قمعي، كلاهما أدوات إمبريالية باسم الدين، لا تهمهما القدس ولا أمريكا، بل السيطرة والنفوذ.
ما بعد النقطة:
الصراع الحاصل ليس بين اليهود الفرس، بل بين كيان مغتصب، ونظام قمعي حالم، وكلاهما أدوات أوشك أحدهما أن يحترق أو أن يحرقه سيده، فلا الموت لأمريكا غايتهم، ولا القدس قضيتهم، إمبريالية باسم الدين لا أكثر.
This post has already been read 480 times!

