مقدمة
وفقاً لما جرت عليه الأحداث، فقد أجريت انتخابات مجلس الأمة 2024 في يوم 4 أبريل الجاري، وأعلن رسمياً عن أسماء الفائزين بمقاعد البرلمان، ووفقاً لما جرى عليه العمل منذ قيام الدستور في عام 1962 يتم بعد انتهاء الانتخابات تفعيل نص المادة 87 من الدستور والتي تنص على “استثناء من أحكام المادتين السابقتين يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة اعتبر المجلس مدعواً للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين مع مراعاة حكم المادة السابقة..”، وقد صدر مرسوم الدعوة الأول كما هو معتاد ومنصوص عليه دستورياً بتاريخ 7 أبريل 2024 بدعوة مجلس الأمة للانعقاد بتاريخ 17 أبريل الجاري، ثم وعلى نحو مستغرب وبعد يوم واحد من المرسوم السابق صدر مرسوم آخر جديد بتاريخ 8 أبريل 2024 فيه نص على تأجيل انعقاد اجتماع مجلس الأمة وافتتاح المجلس إلى تاريخ 14 مايو 2024، وذلك من خلال تفعيل نص المادة 106 من الدستور والتي تنص “للأمير أن يؤجل، بمرسوم، اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تجاوز شهرا، ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد الواحد إلا بموافقة المجلس ولمدة واحدة، ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد “، وبناءً عليه أثير جدلاً قانونياً ودستورياً وسياسياً بشأن أحقية إنفراد السلطة التنفيذية بتحديد مواعيد عمل المجلس من عدمه، وثانياً الجدل يتضمن الموقف الدستوري السليم من مدى أحقية قيام حكومة مستقيلة بتأجيل مواعيد جلسات مجلس الأمة أو تفعيل المادة 106 من الدستور.
الإشكاليات التي تطرح على ساحة البحث والنقاش
• الإشكال الأول: هل يحق لحكومة مستقيلة إصدار مرسوم المادة 106 بتأجيل جلسة افتتاح مجلس الأمة؟
• الإشكال الثاني: هل يعد تفعيل المادة بمرسوم 106 جزء من مهام وأدوار حكومة تصريف العاجل من الأمور؟
• الإشكال الثالث: كيف يمكن تجاوز التحديد الصريح والواضح الوارد في المادة 87 من الدستور بشأن قيام المجلس وانعقاده بعد مدة الأسبوعين المقررة دستورياً؟
وفيما يلي نسطر موقفنا الدستوري والقانوني من تلك الإشكاليات:
– كافة النصوص الدستورية لا تسعف في مجال تفعيل المادة 106 بتأجيل انعقاد المجلس قبل افتتاحه بعد الانتخابات، فالحكومة مستقيلة وتتعامل مع مجلس جديد لا تخضع لرقابته ولا رقابة قراراته لعدم انعقاده أو بدء مهامه، والحكومة مقيدة بأن لا تصدر قرارات أو مراسيم ليس لها صفة العاجل من الأمور، وقد جرى العرف أن العاجل من الأمور تتعلق باليوميات التي لا تحتمل التأخير، ولا يمكن للوزارة المستقيلة أن تصدر قوانين أو اتفاقيات أو تمارس صلاحيات مجلس الأمة التشريعية وإلا عدا ذلك تجاوزاً على اختصاصات وأدوار السلطة التشريعية.
– تأجيل تنفيذ المادة 78 لمدد أخرى خلاف الأسبوعين المقررين في الدستور يحمل شبهة مخالفة نص المادة 50 من الدستور “يقوم النظام على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور”، فالنص السابق يمنع قيام السلطة التنفيذية بالتدخل في اختصاصات وأدوار السلطة التشريعية، فالنصوص الخاصة بالسلطة التشريعية نصوص آمرة حُدد من خلالها المواعيد الخاصة بالمجلس، وبخلاف ذلك فإن فُعل التأجيل الصادر من السلطة التنفيذية يعد نوع من التنقيح للدستور بإضافة صلاحيات وأدوار للسلطة التنفيذية تخالف الصريح الوارد بالدستور بشأن أعمال وأدوار مجلس الأمة.
– يعد نص المادة 87 من الدستور من النصوص الآمرة لطبيعة عمل المجلس، وعبارات النص الدستوري تفيد على الوجوب بانعقاد جلسته الأولى خلال أسبوعين بعد الانتخابات، بل النص لا يقبل التراخي في التطبيق بالقول بأنه في حالة عدم الدعوة تنعقد الجلسة في اليوم الذي يليه، وهنا يؤكد المشرع الدستوري إصراره لضرورة الالتزام بالمواعيد المقررة على وجه التحديد.
– هل فكرة الضرورة من المسائل المطروحة والمقبولة دستورياً لعدم كفاية الوقت لتشكيل الحكومة، وتلك الحجة يرددها البعض تأييداً منهم لتأجيل انعقاد المجلس واستخدام المادة 106، والرد على تلك الحجة بأن حالات الضرورة لها نصوصها الدستورية الخاصة والتي لا علاقة لها بالمواعيد المقررة مسبقاً مثل موعد بدء عمل المجلس، كما أن العمل جرى منذ عام 1963 على تشكيل الحكومات خلال أسبوعين من نهاية الانتخابات، وعلى الرغم من قصر المدة لتشكيل الحكومة إلا أنه كان هناك فهماً واضحاً لا غبار عليه من المؤسسون وفي الحكومات السابقة المتعاقبة لمضمون المادة 87 من الدستور بشأن بدء عمل المجلس، ولم يفكر أي طرف منذ الستينات بالحاجة إلى استخدام أدوات دستورية لا محل لها فعلياً من الناحية الدستورية، كما أن مضمون النص 106 من الدستور يشير إلى استخدام حق التأجيل لجلسات المجلس أثناء قيام المجلس وليس قبل قيامه، وبالتالي لا مبرر لهذا التأجيل بحجة استخدام الضرورة.
– تأجيل جلسات مجلس الأمة لمدة شهر يعد تراخياً في بدء أعمال مجلس الأمة الجديد، واستمراراً لحكومة مستقيلة انتهت أدوارها، وهو تعطيل لتفعيل نصوص دستورية عدة منها قسم النواب والحكومة الجديدة، وتعطيل لتمتع الأعضاء بصلاحياتهم الواردة في النصوص من 92 حتى 122 من الدستور (حق السؤال – حق التشريع – حق المساءلة – حق تشكيل لجان المجلس – حق تشكيل لجان التحقيق – حق الاقتراح برغبة… إلخ)، والتأجيل يعني تعطيل توفر الحصانة البرلمانية لأعضاء المجلس الواردة بنصوص الدستور.
– تنص المادة 181 من الدستور على “لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون، ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه”، والهدف من الإشارة إلى المادة 181 لبيان مدى حرص المشرع الدستوري على حماية وضمان انعقاد مجلس الأمة واستمرار جلساته بما في ذلك أحلك الظروف (الأحكام العرفية)، وبالتالي من باب أولى أن لا تتعطل ولا تتأجل جلسات المجلس في الأحوال الطبيعية أو بسبب استقالة حكومة أو تشكيل حكومة جديدة.
– يتحجج البعض بقصر الفترة المتاحة للتشكيل الحكومي، وتلك الحجة أساس الضرورة الملحة لاستخدام المادة 106 من الدستور بتأجيل افتتاح مجلس الأمة، وعلى الرغم من قناعة الجميع بقصر المدة لتشكيل الوزارة، ولكن لا يمكن أن يكون العلاج من خلال تجاوز أو الالتفاف على النصوص الدستورية، والأحرى أن تلتزم السلطة التنفيذية بصريح النص الدستوري بانعقاد المجلس، كما يحق لها دستورياً أن تتقدم بطلب رسمي بطلب تنقيح المواد الدستورية الخاصة بمدة تشكيل مجلس الوزراء على نحو يضمن توفر وقت كافي لتشكيل الحكومة وإعداد برنامج الحكومة.
– بعد ما سبق ذكره من جدل قائم بشأن تفعيل المادة 106 من الدستور ينبغي التأكيد على أهمية أن يُعالج هذا الخلاف بالالتزام بحرفية النص الوارد في المادة 87 من الدستور وإلا اعتبر ذلك نوع من التنقيح غير المباشر للدستور بإنزال نصوص دستورية على أحداث ووقائع لا محل لها، وهو ما يدعونا إلى دعوة السلطلة التنفيذية للتراجع عن المرسوم الأخير بتأجيل افتتاح جلسة مجلس الأمة من خلال استخدام المادة 106 من الدستور، والأمر الثاني يعد تشكيل الحكومة من اختصاصات السلطة التنفيذية، وبالتالي لا يحق للسطة التنفيذية أن تُعطل أعمال وأدوار السلطات الدستورية الأخرى بسبب عدم قدرتها على أداء أدوارها.
وأخيراً فإن هذا الجدل الدائر قد أدلى فيه عدد من أهل القانون بين مؤيد ومعارض، وعليه لا داعي من الجميع للتشنج أو التحريض أو الإساءة لأي طرف من الأطراف بسبب الاختلاف في الرأي، فالجميع محب للكويت وأهلها، ويقيناً صمام الأمان بعد التوكل على الله قيام كل طرف بالاحتكام للآليات الدستورية والقضائية لحسم أي خلاف قائم.
د. محمد حسين الدلال
This post has already been read 963 times!