مفهوم الأمن الثقافي من المفاهيم التي دار حولها جدل كبير في واقعنا الثقافي العربي، علماً بأنه موجود ضمنياً في كل التوجهات الثقافية أو الخطط والسياسات المعنية بالثقافة وتطويرها، وإن لم يطلق عليه مصطلح الأمن، ويتضح ذلك عند الحديث عن حماية الثقافة وتحصينها من المؤثرات الخارجية، أو حتى في المحافظة عليها من أي تغير في ملامحها أو مضامينها، وبذلك فهو في جوهره يحافظ على الهوية الثقافية والوطنية والقومية للإنسان والدولة على وجه العموم، وذلك من خلال تأصيل الثقافة وتطويرها والحفاظ على معطياتها كافة، وتأتي اللغة في طليعتها.
وفي المقابل هناك من يرى أن الأمن الثقافي به حجر على فكر الإنسان ، وفرض ثقافة أحادية الأبعاد تمنع عنه الحرية والإبداع والتنوع، من هؤلاء الدكتور فؤاد زكريا – رحمه الله – حيث أن يرى أول المعاني هو المعنى السلبي، فالأمن هنا من أهم أدوار الشرطة التي تمنع الجريمة والانحراف ، أي حماية المجتمع والأفراد ، المعنى الآخر الذي أشار إليه الدكتور زكريا هو ( الوقوف عند الحد الأدنى ) حيث سواء أكان الأمن غذائياً أم كسائياً، فإنه يتوقف عند حدود أقل قدر لازم لاستمرار الحياة .
هذا الرأي قاله زكريا قبل سنوات طويلة، في وقت كان الهاجس الأمني يطارد المثقفين مما حتم عليهم اتخاذ هذا الموقف، ولكننا ننظر للأمن بمفهوم آخر اليوم، وذلك لأسباب عديدة منها: الحفاظ على هويتنا أمام التماهي والانسلاخ منها ، إن الأمن الثقافي يسهم تحقيق الأمن السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى: اهتزاز منظومة القيم الاجتماعية، انتشار ثقافة السخرية والتعالي والإقصاء، تراجع مستوى الإبداع في بعض المجالات الثقافية والأدبية، ضعف الاهتمام بالثقافة العربية والتماهي المطلق مع بعض الثقافات الأخرى .
ولكي يتحقق الأمن الثقافي يجب أن تتحقق بعض الأمور منها: الوعي بمفهوم الأمن الثقافي وأهميته – إدماج مفهوم الأمن الثقافي في السياسات والخطط الثقافية – صون وحماية اللغة العربية – رفع مستوى الإنتاج الثقافي ومضامينه عن طريق : تجديد الخطاب الثقافي ، دعم الإبداع الفكري والثقافي ، تشجيع الإنتاج الثقافي وتنويعه ، دعم الشراكات الثقافية بين الدول نفسها أو المؤسسات المعنية بالثقافة ، ناء مشروعات ثقافية بين الدول أو المؤسسات المعنية بالثقافة.
ومن المعلوم أن تحقيق الأمن الثقافي لا يتم إلا بتضافر اجتماعي منسق ، تقوم به جهات عديدة حتى وإن كنا نقر بدور الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني ، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على كل من : المؤسسات التربوية وذلك لأنها ناقل للتراث الثقافي وتعزيزه ، بالإضافة إلى أن الثقافة وفلسفة المجتمع يسهمان في تشكيل مضمون التربية والتعليم ، كذلك فإن للمؤسسات الإعلامية دور بالغ الأهمية وذلك لسرعة انتشاره وتنوع مصادره .
ومن الجهات المعنية بالأمن الثقافي المؤسسات الثقافية سواء أكانت حكومية أو أهلية، لأنها تملك خططاً ثقافية وميزانيات تساعد على ذلك ، ثم يأتي دور المثقفين ، وهو دور كبير وحاسم في تحقيق الأمن الثقافي وذلك من إخلال إسهاماتهم التنويرية وما يقدمونه من أعمال سواء أكانت فكرية أو أدبية أو ثقافية.
This post has already been read 175 times!