جاء الكتاب امتدادا لمقالة كان قد نشرها فوكوياما بعنوان «أهي نهاية التاريخ؟» (?The End of History)، أشار فيها إلى أنّ العالم يشهد نهاية التاريخ السياسي، فلقد بلغت البشرية جمعاء نقطة نهاية التطور الأيديولوجي، وأمست الديمقراطية الليبرالية الغربية نموذجاً كلياً بوصفها شكلاً نهائياً للحكم.
• التطور السياسي
وأشار فوكوياما في كتابه إلى الحاجة إلى نظرية عن التطور السياسي، ولغرض تحقيق هذا الغرض يعود المؤلف ليتتبع تاريخ الأنظمة السياسية في الأمم المختلفة عبر العصور.
وقد بدأ بكتاب أصول النظام السياسي، وسرد فيه الأنظمة السياسية من عصور ما قبل الإنسان إلى الثورة الفرنسية، وثانيهما: «النظام السياسي والانحطاط السياسي: من الثورة الصناعية إلى عولمة الثقافة».
في الجزء الأول، تناول المؤلف التطور السياسي من عصور ما قبل الإنسان حتى قيام الثورتين الفرنسية والأمريكية تقريباً، وتتناول الأجزاء الأربعة منه مرحلة ما قبل التاريخ الإنساني وأصول الدولة، وحكم القانون، وأخيراً الحكومة الخاضعة للمحاسبة.
• الحقب التاريخية
يغطي الكتاب عدداً كبيراً من المجتمعات والحقب التاريخية، ولكنه يركز على اعتبار تجربة الغرب نموذجاً معيارياً لأن التحديث حصل أولاً في الغرب، بعد الطفرة الاقتصادية والإنتاجية التي حصلت في أوروبا وأمريكا الشمالية بعد العام ١٨٠٠ ميلادي. إذ أن النمو الاقتصادي المستدام حفز ظهور مجموعة من القوى الاجتماعية الجديدة سعت تدريجياً إلى لعب دور سياسي فعال.
واعتبر فوكوياما، أن الإنسان كائناً اجتماعياً وسياسياً بطبعه، لذلك نشأت المجتمعات البشرية الأولى اعتماداً على صلات القرابة، ودفع الأخطار المحيطة بها. ورفض الاتهامات الموجهة للدين باعتباره أصلاً للعنف والشقاق، بل يعدّه أحد مصادر التماسك الاجتماعي الذي أتاح للبشر آلية التعاون ضمن سياق إنساني أشمل.
• الأنماط التاريخية
النظام السياسي الحديث كما يشير إليه فوكوياما، يتألف من (دولة قوية – حكم القانون – الحكومة الخاضعة للمحاسبة)، وذلك على النحو الآتي:
1. بالنسبة للدولة: أشار فوكوياما إلى بعض الأنماط التاريخية، كالدولة الصينية المبكرة التي ضمت العديد من عناصر الدولة الحديثة، وتناول أيضا النظام الهندي الذي انحرف مساره بفعل القوة الدينية الحاكمة في البلاد، وتفشي روح القبيلة والقرابة بين الطبقات الحاكمة. عرّج أيضا على الدولة الإسلامية التي وضع النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) الحجر الأساس لها، فقد تبلور بناؤها بفضل تطوير النظام العسكري، للخروج من عباءة السيطرة القبلية. وأخيرا ركز الباحث على التجربة الأوروبية التي اتخذت مساراً مختلفاً، حيث تفشت فيها روح الفردية على حساب روح القرابة، بفضل الكنيسة الكاثوليكية التي أضعفت بقوانينها من دون أن تدري، سطوة القبيلة.
2. بالنسبة للقانون: أشار فوكوياما إلى أن القانون هو القواعد النظرية المجرّدة للعدالة، وذكر حيثيات ظهوره وتطوّره في مناطق مختلفة مثل أوروبا التي اعتبرها أفضل تجربة لقانون بفضل خروجها المبكر من القبلية، وبيروقراطيتها التي عمدت إلى مأسسة قوانينها بالكامل. أما في الصين القديمة، فقد كان القانون هو ما يأمر به الإمبراطور ويقرره. وبالنسبة إلى العالم الإسلامي، فقد تسبّب تدخل المؤسسة الدينية في الحكومة إلى إضعاف سيطرة الدولة، وإضعاف الدور الاجتماعي الذي كان يمارسه العلماء والقضاة.
3. بالنسبة للحكومة الخاضعة للمحاسبة والمساءلة: أشار فوكوياما إلى أربعة نماذج لبناء الدولة الأوروبية، هي: الدولة المستبدة الضعيفة (إسبانيا وفرنسا في القرن السادس عشر)، الدولة المستبدة الناجحة (روسيا)، والدولة الأوليغارشية (المجر)، وأخيراً الحكومة الخاضعة للمحاسبة (إنكلترا والدنمارك). ويخصص فصلاً لكل حالة من هذه الحالات، متابعاً بالتفصيل تطور النظام السياسي فيها، ومبرزاً خصوصيتها المحلية.
• الليبرالية الحديثة
كما أشار فوكوياما إلى أن تكامل العناصر الثلاثة المكوّنة للنظام السياسي، يساهم في تشكل الديموقراطية الليبرالية الحديثة وقدم الكاتب قراءة كاملة عن الديموقراطية ونشأتها في العالم، ووصّف تلك الحالة من خلال تقديم بعض التجارب التي عدّ بعضاً منها فاشلاً (دول أفريقيا)، والآخر ناجحاً (أوروبا). كما قدّم مسحاً شاملاً لتاريخ الديموقراطية الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية، معلناً إعجابه بها، لما فيها من دروس مهمة للبلدان النامية المعاصرة التي تريد إصلاح أنظمتها السياسية.
• الطبقات الوسطى
ومن الأمور المهمة التي ناقشها الكاتب هي مقارنة حال الدول العربية في العام (٢٠١١) بأوروبا القرن التاسع عشر، من حيث عدم وجود خبرة مسبقة بالديموقراطية، وتجذّر عملية التحوّل الديموقراطي في حراك حفّزه تغيير اقتصادي – اجتماعي بقيادة الطبقات الوسطى. إلا أن التسييس الديني في المنطقة العربية، كان الفارق الأساسي بين التجربتين، ففي أوروبا عُدّت الطبقة والقومية أكثر أهمية من الدين كمصدر للهوية. ومن هنا يستنتج الكاتب أن الطريق ما زال طويلاً أمام الدول العربية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي تجاه التحول الديمقراطي.
This post has already been read 401 times!