يرى البعض بأن مطالباتنا بعدم اعتماد أوراق السفيرة الأمريكية إجراء قد يتسبب بضرر في علاقاتنا مع أمريكا.
هناك من اختلط عليه الفرق بين طرد السفير وهو إجراء دبلوماسي ذات طابع سياسي غاية في التصعيد قد يكون مقدمة إلى قطع العلاقات، وبين ما يسمى بعدم قبول اعتماد أوراق السفير الجديد وهو إجراء دبلوماسي معتاد عند تسمية البعثات نتيجة عدم قبول الشخص المزمع تعيينه.
المادة 4 من اتفاقية فيننا للعلاقات الدبلوماسية جاءت واضحة في تقرير حق الدول بتسمية رؤساء البعثات.
فبعيداً عن مواقفنا من القضية الفلسطينية، استقبال السفراء يخضع لاتفاقيات وأصول وأعراف دبلوماسية تحكم علاقات الدول وهو ما انطلقنا به من مطالباتنا.
لذلك لكل دولة الحق في تسمية سفيرها أو رئيس بعثتها، ومن حق الكويت رفض من تم تسميتهم لديها وهذا إجراء دبلوماسي تطبيقاً للمادة 4 من اتفاقية فيننا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص :
1- على الدولة المعتمدة أن تستوثق من أن الشخص الذي تزمع تعيينه كرئيس للبعثة لدى الدولة المعتمد لديها قد نال قبول هذه الدولة.
2 – لا تلزم الدولة المعتمد لديها بأن تبدي للدولة المعتمدة الأسباب التي قد تدعوها لرفض قبول الشخص المزمع تعيينه”.
تأكيداً على هذا الحق السيادي والاجراء الدبلوماسي المعتاد للدول، فقد نصت الاتفاقية بأن ممارسة هذا الاجراء لا يستدعي حتى تبرير أسباب عدم قبول للممثل الذي تم تسميته.
أما عن العلاقات الأمريكية الكويتية، دعونا نستذكر متى كانت آخر زيارة لشخصية أمريكية رفيعة المستوى للكويت؟ سأجاوب أنا لأنني على يقين بأن الكثير لم يلاحظ ذلك :
– آخر زيارة لرئيس الولايات المتحدة الامريكية للكويت كانت للرئيس جورج بوش الابن في 11 يناير 2008 أي أكثر من 15سنة وكان هدف الزيارة تقديم التحية والسلام إلى الجنود الامريكان في معسكر عريفجان.
– آخر زيارة لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلنكن في يوليو 2021 .
لذلك وللمهتمين بالشأن الخارجي، لعل مطالبتنا بتغيير تسمية السفيرة قد تلف نظر هذا الحليف ليهتم بعلاقاته ويعطي لها قيمة، رغم قناعتي بأن ما يربطنا به هو المال والاستثمار والنفط وقاعدته العسكرية ذات البعد الاستراتيجي له، ولا يكترث لأي اعتبار آخر، وإن كنتم خائفين من شيء، فيجب أن يكون من تراجع دورنا الخارجي إقليمياً وعالمياً وفقدان الكويت لدورها المحوري في قضايا المنطقة.
نحن نقرع جرس الإنذار من حاضرنا مع هؤلاء، ولا نعيش في ماضي فضل قيادة التحالف الدولي لتحريرنا، فقد كان ذلك قبل 33 سنة، وكان بمقابل لازلنا ندفعه، وهو ما لا يجب أن يجردنا من سيادتنا ومكانتنا وحقوقنا.
فالسفيرة حملت ملفات تعارض السياسة المعلنة للكويت وكانت قنصلاً عاماً في سفارة واشنطن بالقدس المحتلة، لذلك موقفنا من عدم قبول أوراقها منسجم مع موقف الدولة التي أكدت بأننا بحالة حرب، وموقف الشعب الرافض للمجازر والمناصر للحق الفلسطيني والرافض للتطبيع.
بل أكثر من ذلك، أتمنى الانتباه من إثارة كلمة الاضرار بعلاقاتنا فقد توصلنا إلى القبول مستقبلاً بأشخاص أو حتى مواقف لا نستطيع رفضها بحجة أننا نخاف على تضرر علاقاتنا معهم.
ورداً على من يقول بأن لا صفة للبرلمان والنائب بالكويت في إبداء الرأي بموضوع السفراء، فقد أغفل أصحاب هذا القول بأن من يوافق على تسمية السفراء في أمريكا هو مجلس الشيوخ فبالتالي نحن نبدي رأينا بالكويت برلمانياً على قرار ذات طابع برلماني صدر عن مجلس منتخب.
أما بما يتعلق بموقفنا في ما يحصل الآن بغزة من جرائم ضد الإنسانية ومجاز بحق الشعب الفلسطيني المسلم، فأبسط ما يمكن عمله هو رفض أوراق هذه السفيرة وتسمية شخص آخر لم يخدم في فلسطين وتحديداً في هذا التوقيت الذي نعمل نحن فيه بالكويت على تحصين نفسنا من التطبيع ومقبلين على إقرار قانون يجرم ذلك.
لذلك مثلمنا نطالب العالم بأخذ إجراءات اتجاه الكيان الصهيوني ومن يمدهم بالمال والسلاح والغطاء الدولي فلابد أن نبدأ بأنفسنا، أما شماعة الخوف من تدهور العلاقات فهي ذاتها الشماعة التي تتمسك بها كل الدول المطبعة والتي لها علاقات مع الكيان الصهيوني عندما نطالبها بقطع علاقاتهم.
أمامنا فرصة لأن نقوم نحن بموقف نستمده من دستورنا وبرلماننا ومن القانون الدولي يتجاوز الشجب والاستنكار وهو رد السفيرة والذي سيبقى كذلك أضعف الإيمان.
ختاماً .. شكراً للشعب الكويتي الذي وقف مع الحق بكل ما يملك .. أنتم محل فخر واعتزاز.
وتبقى الكويت صغيرة بحجمها لكن كبيرة بمواقفها.
This post has already been read 190 times!