• تحول جذري.. من الحبس إلى الإعدام في جرائم التهريب
• التشريع حرب على الإدمان ويمزج الردع بالشفاء
• هيكل متكامل.. فصول تتجاوز الجرائم إلى الإجراءات الوقائية
• مسارات علاجية إلزامية لإعادة التأهيل لاستعادة التوازن النفسي
• المقدمة: سياق المشروع وأهميته
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الجهود الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة والحفاظ على تماسك المجتمع، وافق مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الأسبوعي يوم 28 أكتوبر 2025، برئاسة سمو الشيخ أحمد العبدالله، على مشروع مرسوم بقانون يجمع بين قوانين سابقة متعلقة بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
ويُعد هذا المشروع استجابة للتحديات المتزايدة الناتجة عن انتشار الاتجار والتعاطي، خاصة مع تطور الشبكات الإجرامية الدولية، ويُرفع حاليًا إلى سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد للإقرار النهائي.
يتكون المشروع من 84 مادة موزعة على 13 فصلًا، مما يجعله إطارًا تشريعيًا شاملاً يغطي الجوانب الوقائية، التنظيمية، والعقابية.

هذا الدمج ليس مجرد تحديث قانوني، بل تحول جذري يعكس رؤية الدولة في حماية الأجيال الشابة والمجتمع من مخاطر الإدمان، مع التركيز على الردع كأداة أساسية.
• الخلفية التاريخية والتشريعية
يعتمد المشروع على دمج قانون رقم 74 لسنة 1983 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها، مع المرسوم بقانون رقم 48 لسنة 1987 الخاص بمكافحة المؤثرات العقلية.
في القوانين السابقة، كانت هناك فجوات واضحة: القانون الأول ركز على المخدرات التقليدية مثل الهيروين والكوكايين، بينما الثاني عالج المواد الطبية المؤثرة عقليًا مثل بعض الأدوية المخدرة، مما أدى إلى تداخل في التطبيق وصعوبة في التنفيذ.
على سبيل المثال، كانت عقوبات الاتجار في المخدرات تصل إلى الحبس المؤبد مع غرامات محدودة (حوالي 10,000–50,000 دينار)، دون إدراج الإعدام بشكل صريح في جميع الحالات، بينما كانت عقوبات المؤثرات العقلية أقل شدة لتجنب التأثير على الاستخدامات الطبية.
• توحيد المصطلحات والمفاهيم
التغييرات الرئيسية في المشروع الجديد تشمل توحيد المصطلحات والمفاهيم، حيث يُعرف “المخدرات” و”المؤثرات العقلية” بشكل موحد، مما يشمل النباتات، المواد، والمستحضرات، ويحدد قوائم محدثة للمواد المحظورة بناءً على الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988.

كما يتضمن تغليظ العقوبات بإضافة الإعدام كعقوبة أساسية للجرائم الكبرى، مع غرامات تصل إلى ملايين الدنانير، مقارنة بالقوانين السابقة التي اعتمدت أكثر على الحبس والغرامات المتوسطة.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز الإجراءات الوقائية من خلال إنشاء كيانات رقابية جديدة وتراخيص صارمة للاستيراد والإنتاج، بالإضافة إلى فصل خاص بالعلاج والإيداع الإجباري، الذي يُعد تطورًا عن الإجراءات السابقة التي كانت تسمح بخروج المدمنين من المراكز العلاجية بسهولة.
هذه التعديلات تأتي في سياق حملة وطنية أوسع، حيث سجلت الكويت زيادة بنسبة 20% في قضايا الاتجار خلال 2024–2025، مما يجعل الدمج ضروريًا لمواكبة التهديدات الحديثة مثل الاتجار عبر الإنترنت والمخدرات الاصطناعية.
• الهيكل العام
يُقسم المشروع إلى 13 فصلًا تغطي الجوانب النظرية والعملية، مما يضمن توازنًا بين الردع والعلاج، ويبدأ الفصل الأول بالتعريفات، الذي يوحد المصطلحات لتجنب الالتباس، ثم ينتقل إلى إنشاء الكيانات في الفصل الثاني، حيث يُنشئ هيئات رقابية جديدة تابعة لوزارة الصحة والداخلية، يلي ذلك فصول التراخيص: الثالث للاستيراد والتصدير والنقل، والرابع للإتجار في المواد المخدرة والمؤثرة عقليًا ومستحضراتها، والخامس لحيازتها للأغراض العلمية أو الطبية فقط، مع رقابة إلكترونية صارمة، الفصل السادس ينظم الإنتاج والتصنيع، محظورًا غير المرخص، بينما السابع يحدد النباتات الممنوع زراعتها، مثل القنب والخشخاش، مع قائمة محدثة، يأتي بعد ذلك الفصل الثامن للأحكام العامة، الذي يغطي إجراءات التحقيق والاعتقال، ثم الفصل التاسع الخاص بالعقوبات، الذي يشكل الجوهر ويغطي نحو 42% من المواد، ويتضمن الفصل العاشر العلاج والإيداع الإجباري للمتعاطين مع ضمان سرية البيانات، والحادي عشر يتعلق بصدور الأحكام وآليات التنفيذ والعفو، والثاني عشر بالقبض والإجراءات التنظيمية مع صلاحيات موسعة للشرطة، وأخيرًا الثالث عشر للرقابة الإدارية ودور الجهات الحكومية في التنفيذ.
هذا الهيكل يعكس نهجًا متعدد الأبعاد، حيث يركز نحو 60% من الفصول على التنظيم والوقاية، مقابل 40% على العقاب، مما يميز المشروع عن القوانين السابقة التي كانت أكثر تركيزًا على الجانب الجنائي.
• تحليل العقوبات
يُعد الفصل التاسع (العقوبات) جوهر المشروع، حيث يُغلظ الردع ليصل إلى الإعدام في الجرائم الكبرى. في المادة 42، على سبيل المثال، يُعاقب كل من يجلب أو يهرب أو ينتج أو يزرع بقصد الإتجار بالإعدام أو الحبس المؤبد، مقترنًا بغرامة تتراوح بين 100,000 و2,000,000 دينار أو ما يعادل قيمة المواد المضبوطة، وهذا يمثل إضافة الإعدام حيث كانت العقوبة السابقة حبسًا مؤبدًا فقط. أما المادة 43، فتغطي جرائم الحيازة أو الشراء أو البيع أو الترويج أو المقايضة بقصد الإتجار، بعقوبة الإعدام أو الحبس المؤبد مع غرامة بين 50,000 و500,000 دينار أو قيمة المواد، وتشمل هذه المادة الترويج الذي لم يكن موجودًا صراحة في القوانين السابقة، مع غرامات أعلى لتعزيز الردع.

وفي المادة 44، يصبح الإعدام إلزاميًا في الجرائم المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا توافرت ظرف مشدد، مثل العود أو استغلال حدث أو شخص مصاب بمرض عقلي، أو تقديم المواد لقاصر بغرض التعاطي، أو استغلال السلطة الوظيفية في الجريمة، وهذه الظروف الجديدة تعزز الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة. أما المادة 45، فتركز على الجريمة المنظمة، حيث يُعاقب بإعدام كل من ينشئ أو يدير تنظيمًا عصابيًا داخل أو خارج البلاد بهدف ارتكاب جرائم الاتجار، بينما يُعاقب المنضم إليه أو المشارك في أعماله بالحبس المؤبد مع غرامة بين 20,000 و50,000 دينار، وهذا يمثل تركيزًا أكبر على الشبكات الإجرامية مقارنة بالعقوبات الأقل شدة في القوانين السابقة.
هذه العقوبات تمثل تحولًا من النهج “التصحيحي” في القوانين السابقة إلى “الردعي”، حيث يُقدر أن الغرامات المقترنة بالإعدام ستقلل من الربحية الاقتصادية للاتجار بنسبة تصل إلى 80%، بناءً على دراسات دولية مشابهة.
ومع ذلك، قد تثير مخاوف بشأن حقوق الإنسان، خاصة في حالات التعاطي الشخصي، حيث يُفرض الإيداع الإجباري بدلاً من السجن، لكن مع صلاحيات موسعة للقوة الجبرية في حال الرفض.
• الفوائد والتأثيرات الاجتماعية
يحقق المشروع فوائد متعددة، أبرزها توحيد التطبيق الذي يقلل من النزاعات القضائية بنسبة 30% المتوقعة، بفضل الإطار الموحد. كما يعزز الحماية الاجتماعية من خلال عقوبات مشددة على الترويج، مع تعزيز برامج العلاج في الفصل العاشر، مما يدعم هدف الكويت في خفض معدلات الإدمان من 5% إلى 2% بحلول 2030. بالإضافة إلى ذلك، يتوافق مع الاتفاقيات العالمية، مما يعزز الشراكات مع الإنتربول. ومع ذلك، قد يواجه تحديات مثل زيادة الضغط على النظام القضائي، أو الحاجة إلى تدريب أكبر للأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى مخاطر التمييز في التطبيق ضد الفئات الضعيفة، كما أن التركيز على العقاب قد يحتاج إلى توازن مع حملات توعية أوسع للوقاية.

• الخاتمة
يُمثل هذا المشروع نقلة نوعية في التشريع الكويتي، تحولًا من قوانين منفصلة إلى إطار متكامل يجمع بين الردع والعلاج، مما يعزز من صورة الكويت كدولة ملتزمة بحماية مجتمعها. مع رفعه إلى سمو الأمير، يُتوقع إقراره قريبًا، ليصبح أداة فعالة في “الحرب على المخدرات”. لضمان نجاحه، يُوصى بمراقبة التنفيذ وتقييم تأثيره الاجتماعي خلال السنة الأولى. هذا التشريع ليس مجرد قانون، بل استثمار في مستقبل الشباب الكويتي.
This post has already been read 416 times!

