قُدّر لنا أن نشهد هذه الأشهر صراعات عالمية ونزاعات إقليمية غير مسبوقة بسرعة حركتها واتساع مساحتها وحدة توترها، والذي نتج عنها صدامات وحروب، إضافة إلى دول أخرى تعرضت لهزات داخلية متباينة الأسباب والنتائج.
ومع هذا ثمة فقر أكاديمي في معالجة الظواهر السياسية من منظور فن إدارة الأزمة، حيث تقل المصادر العربية في تسويق هذا الفن المرتبط بعدة علوم، إضافة إلى حاجة هذا الفن إلى الممارسة والتمرين.
تتطلب ممارسة فن إدارة الأزمة السياسية التمكن من فهم السياسة كعلم، وإدراك حدودها وأدواتها في الواقع، ضمن أطر واضحة، وأنظمة محددة، وغايات نبيلة، ومن دون هذا كله، تتضعضع المؤسسات وتضيع المجتمعات.
إن عدم قدرة القائد أو صانع القرار أو المفاوض قد أدت في الغالب إلى تفاقم الأزمات السياسية وتراكم نتائجها الكارثية وتعاظم مخاطرها المستقبلية، فتتضاعف المسؤوليات والأعباء وتقل الحلول والحيل، فلا خروج من عنق الزجاجة إلا من خلال معجزة، أو الهلاك.
لذا من الضروري تأهيل القيادات في عملية صنع القرار السليم، ومتابعة تنفيذه بدقة ومرونة، وتقييم النتائج بموضوعية، من خلال التعليم والتدريب، والاستعانة بالحدس والخيال، مع ثقافة عامة غزيرة، تتجدد بتقدم واستمرار.
ذلك أن الجمود المعرفي والعملياتي هو آفة رجل الدولة في ممارساته السياسية، فلا مناص من استثمار المعلومات المتدفقة في التخطيط للصالح العام، ومن ثم لا مانع من تحقيق بعض المكاسب الشخصية أو للنخب المختلفة، شرط أن تكون في حدودها الضيقة جداً، أما إذا قدمت المصالح المحدودة على الصالح العام، تفشل إدارة الأزمة مهما تمتعت الدولة بالقوة والقائد بالذكاء.
من هنا على رجل الدولة في إدارة الأزمة أن يتحلى بالحلم والحيل، فلابد أن يكون متأنياً صبوراً، وداهية فطن، يحسن الوضوح في مقامه، والغموض في حينه، كما يجيد الإطالة أو الإيجاز حسب ما تقتضيه معطيات الموقف ومصالح دولته أو مؤسسته.
فمن مسببات الفتن والفوضى، صراع النخب صراعاً سياسياً غير منتظم القواعد، وعلى مراحل مختلفة ومساحات متباينة، مع تقديم خطابات سياسية غير لائقة أو مسوغة، لعدم ضبط ألفاظها، وعدم تناسق أفكارها، فتشتت المقاصد وتلاشت المنافع وساءت الأحوال، الأمر الذي ينعكس على النخب، حيث تضعف فاعليتها في المجتمع والدولة.
وعليه، فن إدارة الأزمة، فن ضروري التعلم والتدريب لكل سياسي مهما اختلف موقعه ودرجة نفوذه وتأثيره، لما فيه خير الشأن العام ومصلحة الوطن والمواطن.
This post has already been read 67 times!