• انقسام الأحزاب في إسرائيل حول ضم الضفة الغربية كشف هشاشة التوازنات بين مكوّناتها
• موقف ترامب من ضم الضفة الغربية عمّق جراح نتنياهو ووضعه أمام مأزق جديد
التمهيد
تعيش الضفة الغربية على واقع رغبات إسرائيلية متصاعدة بضمها وجعلها تحت السيادة الصهيونية بعد تغول اليمين الإسرائيلي على دولة الكيان ورفعه مستوى الطموحات المتوافقة مع رغبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهارب من المحاكمة من جهة والراغب في بناء مجد شخصي له من جهة أخرى.
إلا أن هذه الرغبات قد تصطدم جزئياً بالمخطط الأمريكي الذي يرسم بغير طريقة اليمين الإسرائيلي رغم التقائهما مع بعضهما في مستويات مختلفة.. وبين هذا وذاك يكشف واقع الضفة الغربية ورغبة إسرائيل بضمها وانقسام الأحزاب السياسية حول ذلك، عمق الأزمة داخل الحكومة الإسرائيلية، ويكشف هشاشة التوازنات بين مكوّناتها في ظل تضارب الأجندات السياسية والدينية.

المحور
ذرائع ومحركات الضم الصهيوني للضفة
يجري قادة جيش الكيان تقييما شاملاً متكرراً للأوضاع الميدانية بين غزة والضفة حيث كشفت القناة 12 العبرية، أن رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، أجرى في مقر القيادة المركزية لجيش الاحتلال يوم 21 أكتوبر الجاري، تقييماً شاملاً للأوضاع الميدانية، حيث شارك كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، بينهم ضباط من فرق الضفة الغربية وجهاز الشاباك وحرس الحدود.
مبررات الاجتماع وجدول أعماله تزايد “التهديدات الأمنية” في الضفة، وتزايد العمليات الفدائية ضد قواته ومستوطناته، حيث وبحسب تقرير القناة أكد زمير أن “المعركة لم تنته بعد”، مشيراً إلى أن التحديات الأمنية لا تزال قائمة في جميع الساحات، مع تركيز خاص على ما يسميها منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، في رسالة إسرائيلية واضحة أن التصعيد مستمر، حيث أكد أن الجيش يستعد لمرحلة جديدة من المواجهات، متوقعاً أن تكون الضفة الغربية بؤرة التوتر المقبلة في ظل تصاعد المقاومة المسلحة واتساع رقعة الاشتباكات اليومية.
وبقراءة متأنية وتحليل خطاب رئيس أركان جيش الاحتلال نجد دلالة واضحة يؤكدها المراقبون أن الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح بحسم معركة الميدان كما تبجح قبلًا وبعد مرور أكثر من عامين على معارك غزة، حيث يظهر تآكل قدرات جيش الكيان على التموضع في جبهات متعددة في ظل تصاعد أزمات الضفة الغربية.. فخشية القيادة الإسرائيلية الأمنية مرتبطة بخوف شديد من تمدد المقاومة المسلحة في مدن مثل جنين ونابلس وطولكرم، واحتمال انتقال الاشتباكات إلى مناطق أوسع، الأمر الذي يبقي الضفة في حالة غليان مستمرة.
خطط الضم قديمة لدى نتنياهو
نقلت تقارير إسرائيلية في صحيفة معاريف مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أن إيعازات خاصة من رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو لتطبيق قرار السيادة على الضفة الغربية يستمر ويدار بهدوء بعيداً عن التصريحات الإعلامية حيث أوعز لأعضاء حكومته بالتزام الصمت حول خطط ضم الضفة الغربية خشية من موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. وبحسب تقارير الإعلام الإسرائيلي فإن جلسات نتنياهو وحكومته في الفترة الماضية حول ضم الضفة جاءت لمواجهة التحركات الدولية المتزايدة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

عودة الخلاف في كواليس الحكومة
بحسب ما أكدته صحيفة “عبري لايف” فإن ائتلاف حكومة نتنياهو يعيش على وقع خلاف شديد بسبب مشروع قانون يقضي بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، حيث ارتفع مستوى التوتر بين مكونات الائتلاف اليميني الحاكم بين مؤيد ومعارض للقانون.
أيد حزبا “الصهيونية الدينية” و”أغودات إسرائيل” بشكل كامل مشروع القانون، لكن المفاجأة أن نتنياهو ينحو إلى كبح مرور القانون خوفاً من تداعياته السياسية والدبلوماسية، بالذات مع واشنطن التي رفضت أي خطوات أحادية تمسّ الوضع القانوني للضفة الغربية.
ولتحقيق هذا المسعى التكتيكي عند نتنياهو، أمر نواب حزبه “الليكود” بالتصويت ضد القانون، ما أثار غضب شركائه في الائتلاف الذين يرون أن التراجع عن هذه الخطوة يمثل خضوعًا للإملاءات الخارجية.
وتختلف الآراء داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يدعو إلى ضم كامل للضفة، وبين من يرى أن السيادة الجزئية تكفي لضمان الاعتراف الأميركي وتفادي ردود فعل دولية قوية.
ترامب يرفض خطط اليمين الإسرائيلي
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تصريحات صدمت اليمين الإسرائيلي بشكل كبير في ظل استعداد صهيوني متزايد خلال الشهور الماضية لضم الضفة الغربية، حيث أعلن بوضوح رفضه السماح لإسرائيل بضم الضفة، ما تسبب بإرباك المشروع وعجّل بانتهائه وسبب أزمة داخل الكيان وخصوصاً أنصار اليمين الإسرائيلي الذين انهار حلمهم بحسب التقارير من الداخل الإسرائيلي وسط نقاش حاد أن قرار السيادة الإسرائيلية أصبح بيد الرئيس الأمريكي لا بيد الإسرائيلي ويكشف حجم التبعية الإسرائيلية لواشنطن بحسب صحيفة معاريف.
موقف ترامب لاقى قبولاً غربياً وخليجياً، حيث رحبت حينها دول الخليج العربي والأردن ومصر بالتصريح باعتباره إشارة إلى أن واشنطن لن تسمح بخطوات إسرائيلية أحادية الجانب من شأنها تفجير الأوضاع.
وسبق أن أفاد موقع “أكسيوس” أن أكثر من 40 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ الأميركي، طالبوا الرئيس دونالد ترامب بتعزيز معارضته لخطط إسرائيل الرامية إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية.
وبحسب موقع “بوليتيكو“، فإن الرئيس ترامب تعهد نهاية الشهر الماضي لزعماء عرب، خلال اجتماع عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعدم السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية.

ضم الضفة يكشف المتحكم الحقيقي بالمشهد
عكس تصريح ترامب وإنهاؤه لحلم اليمين الإسرائيلي، قدرة واشنطن على التحكم بالكيان حين تريد، فالتصريح رسالة سياسية مباشرة ومهمة ولأطراف مختلفة حينها (قبل عقد اتفاق السلام حول غزة مؤخراً وخلال مفاوضات عقد الهدنة) أن الرئيس ترامب، رغم كل ما يظهره من تهور ومواقف متقلبة، برز هنا باعتباره الطرف الوحيد القادر على فرض حدود واضحة على حكومة نتنياهو.
وتشير التقارير أن ترامب يدرك بشكل كبير المخاطر الإقليمية لأي خطوة إسرائيلية أحادية، وهذا يفسر إنهاؤه الحلم الإسرائيلي الواهم بضم الضفة استجابة منه لضغوط الدول العربية وسعياً منه لتعزيز مكانته أمامهم ومنعاً لخسارة واشنطن أي أوراق نفوذ سياسية لها في المنطقة إذا تمت خطوة كهذه.

الخاتمة
الخلاصة أن البيت الأبيض قادر على استخدام سلطته بشكل صارم عندما يرى أن الأمر يخدم مصالحه. ومختلف التقاطعات أعلاه تؤكد أن الولايات المتحدة ما زالت تمسك بمفاتيح اللعبة في المنطقة، وأن مصير قضايا جوهرية كـ قضية الضفة الغربية يتقرر فعلياً في واشنطن لا في الكيان الإسرائيلي، وفي العمق موقف ترامب عمّق جراح نتنياهو حينها ووضعه أمام مأزق جديد يفسر لنا ضغطه في الأمس على نواب حزبه للتصويت ضد قانون ضم الضفة في الكنيست على عكس رغبة أحزاب ائتلافه الحاكم.
الكنيست يوافق على قانون السيادة
نقلت القناة 12 الإسرائيلية، أن مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية أُقر بالكنيست أمس 22 أكتوبر الجاري، حيث صوّت 25 نائباً لصالح القانون، مقابل 24 صوتوا ضده، وكان صوت رئيس لجنة الخارجية والأمن الأسبق، يولي إدلشتاين، الصوت الحاسم.
للتذكير في يوليو/تموز الماضي، أيد الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية إعلاناً يدعم ضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية، وسط دعوات من وزراء “الليكود” ورئيس الكنيست أمير أوحانا، إلى تنفيذ الضم “فورًا”.. ونشير أن ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة يعني إنهاء إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين الذي تنص عليه قرارات صدرت من الأمم المتحدة.
This post has already been read 422 times!

