مركز طروس | لندن
تستمر المملكة بأداء دورها التاريخي الملتزم بقضايا العرب والسعي لحل إشكاليات المنطقة بوصفها دولة كبرى رئيسية من دول الأركان في الشرق الأوسط، منطلقة من عدة اعتبارات من دورها العروبي والديني وعلاقاتها التاريخية المتجذرة بدول المنطقة سواء في الخليج أو الدول العربية وصولاً لدور عالمي يسعى لتثبيت السلم الدولي وحل المشاكل.
وأبرز نقاط الالتزام السعودي، تتمثل بقضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية التي قدمت فيها المملكة جهداً خاصاً عبر العقود الماضية في دعم الأشقاء الفلسطينيين والسعي لتقديم حلول جذرية للأزمة الفلسطينية منذ قرار التقسيم وصولاً للوقوف ورفض تعديات الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية والشعب هناك.
• آخر تطورات المواقف السعودية
مع تطور الأوضاع في غزة وانطلاق العدوان الصهيوني على القطاع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قادت المملكة حراكاً دبلوماسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ للتنسيق الوثيق مع الدول الشقيقة والصديقة وشركائها في المجتمع الدولي لحقن الدماء ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية، والسعي لوقف التصعيد القائم واحترام القانون الدولي والإنساني، والتشديد على أهمية تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني – الصهيوني وإيجاد أفق حقيقي للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام بما يكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بحياة كريمة في ظل سلام عادل ومستدام.
وقبل يومين، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إطلاق تحالف دولي يهدف لإقامة الدولة الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، الذي أقرته قرارات الأمم المتحدة قبلاً.
وتبني السعودية لهذا الموقف وجديتها في إنفاذه تمثل بتأكيد وزير الخارجية أن الاجتماع الأول لهذا التحالف سيعقد في المملكة في إشارة مباشرة للرعاية السعودية لهذا التحالف والسعي الحثيث لإنجاحه.
ثم أوضح الوزير أن تأسيس التحالف نتاج جهد أوروبي وعربي مشترك، والهدف هو إيجاد الحلول للمسألة الفلسطينية بدلاً من الاكتفاء بالانتظار والترقب.
واعتبر أن “تنفيذ حلّ الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه كافة المنطقة، بها فيها إسرائيل، بالأمن والتعايش”.
• دلالة المكان والتوقيت
جاء إعلان الأمير بن فرحان، للقرار السعودي خلال الاجتماع الوزاري بشأن القضية الفلسطينية وجهود السلام في مدينة نيويورك الأمريكية في وقت تستمر فيه الحرب على قطاع غزة، حيث أعلن الوزير: “باسم الدول العربية والإسلامية وشركائنا الأوروبيين نُعلن إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، ويطيب لي أن أدعوكم لحضور أول اجتماع في السعودية للإسهام في تحقيق السلام”، موضحاً أن الهدف هو تحقيق سلام عادل وشامل.
• الجدية والاستمرارية
في خطاب الوزير، أكد موضحًا: “سنضع خطة عملية لتحقيق الأهداف المشتركة لتحقيق السلام المنشود”، مضيفاً: “سنبذل قصارى جهودنا لتحقيق مسار موثوق ولا رجعة فيه لسلام عادل وشامل”.
لذلك حمل الخطاب التشديد على ضرورة “التحرك بشكل جماعي في اتخاذ خطوات عملية ذات أثر ملموس للدفع باتجاه الوقف الفوري للحرب، وتنفيذ حل الدولتين، وفي مقدمة ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة”.
• رسائل مباشرة
بعث خطاب وزير الخارجية السعودي رسالة مباشرة برفض المماطلة التي تمت في السنين الماضية، حيث أكد أن “إقامة الدولة الفلسطينية أمر ثابت، وليس مطروحاً للتفاوض”، مشيراً إلى أن “انتظار الحلول التفاوضية في فلسطين لم يعد خياراً ممكناً”
وما يجري في غزة يؤكد على ضرورة الحل، حيث اعتبر الأمير فيصل بن فرحان، أن “الحرب على غزة تسببت في حدوث كارثة إنسانية فضلاً عن الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية، وتهديد المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، تكريساً لسياسة الاحتلال والتطرف العنيف”.
ليشير الوزير السعودي إلى “البعض يصر على التطبيق الانتقائي للقانون الدولي، في مخالفة صريحة لأبسط معايير المساواة، والحرية، وحقوق الإنسان”، في رسالة لازدواجية المعايير الغربية، والتساؤلات الجدية في عالم اليوم عن مصداقية النظام الدولي القائم حالياً.
• انعكاسات وتداخلات التحالف السعودي الدولي
يمكن القول إن المبادرة السعودية هي نقلة جديدة ضمن الخطوات السابقة وضمن جهود الرياض الدبلوماسية المتفائلة مع المنظومة الخليجية والعربية والساعي لحل عادل لأزمة غزة والقضية الفلسطينية.
التحركات السعودية أثمرت نتائج طيبة أكدها إطلاق التحالف الذي يعكس تزايد القناعة لدى المجتمع الدولي بضرورة قيام دولة فلسطينية، لذلك سيعقد أول اجتماع للتحالف في الرياض الذي سيعتمد مسار يمكن من خلاله تأسيس دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
إن نجاح المسعى السعودي سيؤثر بالحل الناجع على عموم مشاكل المنطقة في الجبهات المشتعلة في اليمن ولبنان والعراق وغيرها ويسمح بتفعيل الحلول السلمية دولياً.
المرجح أن الضغوط العربية وإقناع كثير من الدول الغربية التي ستمارس في الفترات القادمة يسعى لإقناع قادة الكيان الصهيوني بحل الدولتين الذي يبدو أنه سيرتبط بذهاب حكومة نتنياهو وقدوم إدارة أمريكية جديدة، حيث يتطلب سكوت واشنطن على الأقل للسماح لمجلس الأمن باعتماد التحرك الدولي وحل الدولتين.
رسائل المملكة الواضحة بعدم قيام أي علاقات مع الكيان قبل قيام دولة فلسطينية، رسخ ودعم قيام التحالف في هذه الفترة لذلك قد نشهد مزيداً من الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق ما دعا له الوزير السعودي من المنبر الأممي. (في 7 فبراير 2024، قالت وزارة الخارجية السعودية إن المملكة أبلغت الإدارة الأميركية موقفها الثابت بأنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 ووقف الهجوم الصهيوني على قطاع غزة).
• السعودية وتاريخ طويل مع القضية الفلسطينية
منذ مؤتمر لندن عام 1935 أو مؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، بدأ الدور السعودي في القضية الفلسطينية في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود، حيث ساندت الرياض القضية بمختلف الصعد لتشارك بعد ذلك بغالبية المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية ابتداءً من مؤتمر مدريد وانتهاءً بخارطة الطريق ومبادرة السلام العربي، التي اقترحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان ولي العهد) وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحد في قمة بيروت في مارس عام 2002 لحل النزاع العربي الإسرائيلي.
ولا يمكن إهمال إدانة السعودية، قيام الكيان الصهيوني ببناء الجدار العازل الذي يضم أراضي فلسطينية واسعة، حيث تقدمت بمذكرة احتجاج لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، تدين فيها قيام الكيان الصهيوني ببناء جدار الفصل العنصري، وصدر قرار المحكمة بعدم شرعية هذا الجدار وطالبت الكيان الصهيوني بإزالته.
• مشروع الملك فهد للسلام
يعرف كذلك بالمشروع العربي للسلام، حيث أعلن مشروع الملك فهد بن عبد العزيز للسلام في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في مدينة فاس المغربية عام 1982، حينها وافقت عليه الدول العربية وأصبح أساساً للمشروع العربي للسلام.
هذا المشروع السعودي كان الأساس لمؤتمر السلام في مدريد عام 1991، وحمل المشروع مبادئ أساسية أبرزها:
– انسحاب الكيان الصهيوني من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها مدينة القدس.
– إزالة المستعمرات التي أقامها الكيان الصهيوني في الأراضي العربية بعد عام 1967.
– ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
– تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة.
– تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر.
– قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
– تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام. تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
• مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز
انطلقت خطوة سعودية جديدة في السعي لحل القضية الفلسطينية مع المبادرة التي أعلن عنها الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت مارس 2002، وسارعت الدول العربية لتبنيها كمشروع عربي موحد لحل النزاع العربي الصهيوني، والتي توفر الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وتؤمن حلاً دائماً وعادلاً وشاملاً للصراع العربي الصهيوني.
هدف المبادرة كان إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب الكيان الصهيوني من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني. تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية في بيروت، وقد نالت هذه المبادرة تأييداً عربياً شاملاً.
• جهود خاصة للمصالحة بين الفلسطينيين
مع اشتداد الخلاف بين الفصيلين الأقوى فلسطينياً (حركة فتح وحركة حماس) بذلت المملكة جهوداً خاصة لرأب الصدع تجلت بنتيجة اتفاق مصالحة عرف بـ”اتفاق مكة 2007″ بين حركتي “فتح” و”حماس”، حيث نجحت الجهود السعودية في لم شمل الفرقاء الفلسطينيين بعد أن توصل وفدا “فتح” و”حماس” في مكة المكرمة إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. نَصًّ الاتفاق على التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، كذلك تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية.
ليؤكد بعدها الاتفاق وبصورة نهائية على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها. مع المضي قدماً في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق، مع تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى قاعدة التعددية السياسية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين.
• الدعم المالي السعودي حاضر وسخي
منذ بدأت القضية الفلسطينية، لم تبخل المملكة ببذل المال دعماً للأشقاء الفلسطينيين مع الدعم السياسي، ففي مؤتمر قمة الخرطوم 1967، قدمت المملكة تبرعاً سخياً كما التزمت المملكة في قمة بغداد عام 1978م بتقديم دعم مالي سنوي للفلسطينيين قدرة مليار وسبعة وتسعين مليوناً وثلاثمائة ألف دولار، لمدة عشر سنوات (من عام 1979 وحتى عام 1989).
هذا وقررت الرياض في قمة الجزائر الطارئة عام 1987 تخصيص دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية مقداره 6 ملايين دولار كما قدمت المملكة في الانتفاضة الأولى عام 1987 تبرعاً نقدياً لصندوق الانتفاضة الفلسطيني بمبلغ مليون وأربعمائة وثلاثة وثلاثون ألف دولار، وقدمت مبلغ مليوني دولار للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين.
إلى ذلك، تعهدت المملكة بتمويل برنامج إنمائي عن طريق الصندوق السعودي للتنمية بلغت قيمته ثلاثمائة مليون دولار يهتم بقطاعات الصحة والتعليم والإسكان تم الإعلان عنه في مؤتمرات الدول المانحة خلال الأعوام 94 – 95 – 97 – 1999، دون نسيان الإعفاءات الجمركية للسلع والمنتجات الفلسطينية.
وأشارت التقارير إلى إيفاء المملكة بكامل مساهماتها المقررة حسب قمة بيروت مارس 2002 لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية، وما أكدت عليه قمة شرم الشيخ في مارس 2003 بتجديد الالتزام العربي بهذا الدعم، حيث قامت بتحويل كامل الالتزام وقدرة 184,8 مليون دولار للفترة من 2002 ـ 2004، كما أوفت بكامل التزاماتها المقررة حسب قمة تونس في مايو 2004 الخاصة باستمرار وصول الدعم المالي لموازنة السلطة الفلسطينية لستة أشهر تبدأ من أبريل حتى نهاية سبتمبر 2004، حيث قامت بتحويل كامل المبلغ وقدرة 46,2 مليون دولار.
بذلك بقيت المملكة واحدة من أكبر مقدمي المساعدات للشعب الفلسطيني، منذ عام 2002 قدمت المملكة العربية السعودية أكثر من 480 مليون دولار كدعم نقدي للسلطة الفلسطينية ودعمت اللاجئين الفلسطينيين من خلال المساهمة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقدمت أكثر من 250 مليون دولار للفلسطينيين من خلال جامعة الدول العربية وتعهدت بمبلغ 500 مليون دولار كمساعدات على مدى السنوات الثلاث المقبلة في مؤتمر المانحين في ديسمبر 2007، وكان لافتًا أن الرياض لم تقطع مساعداتها للفلسطينيين كما فعلت دول أخرى بعد نجاح حركة حماس بالانتخابات، بل استمر الدعم السعودي حينها.
وشهد مؤتمر القمة العربي في القاهرة 2000، مقترحاً سعودياً بإنشاء صندوقين باسم صندوق “الأقصى” وصندوق “انتفاضة القدس” برأسمال قدره مليار دولار حينها تبرعت الرياض بمبلغ 200 مليون دولار لصندوق الأقصى الذي يبلغ رأسماله 800 مليون دولار، وتبرعت بمبلغ 50 مليون دولار لصندوق انتفاضة القدس الذي يبلغ رأسماله 200 مليون دولار.
واللاجئون الفلسطينيون بقوا ضمن دائرة الاهتمام السعودي، حيث قدمت المملكة المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين مباشرة أو عن طريق الوكالات والمنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين مثل الأونروا، ومنظمة اليونسكو، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي، والبنك الإسلامي، كما أن المملكة منتظمة في دفع حصتها المقررة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” المتمثلة في مساهماتها السنوية البالغة مليون ومائتين ألف دولار لميزانية الوكالة، وقدمت لها تبرعات استثنائية بلغت حوالي ستون مليون وأربعمائة ألف دولار، لتغطية العجز في ميزانيتها لتنفيذ برامجها الخاصة بالفلسطينيين.
This post has already been read 86 times!