أشرنا أن أهمية الوعي المجتمعي بكشفه الحقائق للشعب، حيث يحدد الأعداء والأصدقاء، ويشعل في الجماهير ضرورة التساؤل عمن انتهك حقوقها وأساء إدارة مقدراتها وأضاع فرصها في مستقبل أفضل ما يمنحها القوة الذاتية الدافعة للخروج للتغيير، بعد التموضع خلف هدف واحد مشترك وواضح، عبر التفكير والتخطيط الواقعي لمجابهة الخطر القائم أيًا كان.
كما أن الوعي يفجر في الشعب الملكات والطاقات الابتكارية والإبداعية في إنتاج الوسائل المتجددة اللازمة لمغالبة التحدي المفروض والانتصار عليه.
والأهم أنه يمنح الشعب الأدوات الثلاث الأساسية للفعل الناجح: قيم التحرر والكرامة، والمعارف والخبرات الثورية، ومهارات وتقنيات الفعل الثوري.
ولطالما كان الجهل نقيض الوعي، وللقضاء على الجهل لابد من العلم، وعلم الجماهير الذي يرتبط بوعيها هو ثقافتها، ما يبرز دور المثقف في حماية مجتمعه وصناعة وعيه.
ما هي الثقافة وما أهميتها للمجتمع؟
عرف المفكر الجزائري “مالك بن نبي” الثقافة بأنها هي:
”عبارة عن مجموعة من الصفات والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته؛ وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة وهي الوعاء الذي يتشكل منه الفرد سواء سلوكه وطباعه”.
بدوره، يرى علي عزت بيجوفيتش، أن الثقافة هي تأثير الدين على الإنسان أو تأثير الإنسان على نفسه، أما الحضارة هي تأثير الذكاء على الطبيعة أو العالم الخارجي.
أما الأستاذ في جامعة أكسفورد 1902، ومؤسس علم الأنثروبولوجيا الثقافية، إدوارد تايلور، فيقول عن الثقافة:
“ذلك الكل المعقد الذي يشمل على المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والقانون، والعرف والعادات التي يكتسبها الفرد بوصفه عضواً في المجتمع”.
وقد قيل بأن الثقافة هي مرحلة ما بعد العلم وليست قبله فلا يمكن أن تكون مثقفًا وأنت غير متمكن من تخصصٍ ما.
وتلعب الثقافة دوراً حاسماً في تطوير المجتمع، فهي تشكل هوية المجتمع وتعبر عن قيمه ومعتقداته وتاريخه. تؤثر الثقافة على كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتسهم بشكل كبير في تصميم المستقبل وتحديد مسار التطور، لذلك اتفقت كثير من الآراء التخصصية أن أي مجتمع يفتقد “للأمن الثقافي” يتعرض لأزمات مجتمعية.
آلية عمل الثقافة في المجتمع
تقوم الثقافة بمهام رئيسية في أي مجتمع تنعكس على أداء المجتمع وبنائه بشكل عام، فالثقافة تعزز الهوية الثقافية للمجتمع كأحد أهم الأدوار التي تقوم بها الثقافة لبناء المجتمع.. الأمر الذي يميزه ويجعله مختلفًا عن غيره، هذا ما نجده في الفنون الخاصة، والطعام، والفنون، والموسيقى، والعادات والتقاليد الفريدة والمميزة لمجموعة من الأفراد.
كما تقوم الثقافة بتنمية الوعي لدى الأفراد والتعلم من خلال نقل الخبرات التاريخية والمعرفة من جيل إلى آخر.. ومع ما تصنعه من تفاعل اجتماعي وتواصل بين أفراد المجتمع؛ تخلق روابط اجتماعية لتشجيع القيم والعادات والتقاليد المشتركة وبناء علاقات مجتمعية سليمة وصحية.
ختاماً، تحقق الثقافة الانتماء الخاص لأي مجتمع، عبر اللغة المشتركة والقيم المقبولة وغير المقبولة فيه، وما ينظم حياة الجماهير وعلاقتهم ببعضهم ما يحقق الأمان والاستقرار ويخفض الخلاف والاختلاف.
أخيراً، نذّكر بمقولة غاية في العمق والخطورة التي قالها، رئيس الكيان الإسرائيلي إسحق نافون، في لقائه مع السادات في مصر:
“إننا نرى أن تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل أهمية عن الترتيبات العسكرية والسياسية”.. واضعاً بها ملامح مركزة عن طرق الغزو الفكري عبر بوابة الثقافة.
This post has already been read 85 times!