• الشعب الإيراني بعث برسالة رفض لمواقف «حكومة رئيسي»
• نسبة المشاركة صادمة.. الأدنى تاريخياً في السباق الرئاسي
• تحديات وأزمات مع تصاعد حدة توتر العلاقات مع الغرب
• هل يكون هناك تغيير في السياسيات الإيرانية الخارجية؟
تسببت وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، بفراغ في السلطة تم بموجبه الدعوة لانتخابات رئاسية شهدت تنافسًا واستقطابًا بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ في إيران التي تعيش إشكاليات خارجية وداخلية متعددة.
• الانتخابات وأهمية منصب الرئيس
منحت المادة 110 من الدستور الإيراني صلاحيات المرشد الأعلى للثورة بتحديد السياسة الداخلية والخارجية في البلاد وعزل وتعيين جميع مسؤولي البلاد، ما يجعل التساؤل عن أهمية منصب الرئيس في إيران محط نظر.
إلا أن الرئيس في إيران هو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بذات الوقت وهو رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي ويعين أمين عام مجلس الأمن القومي وفق صلاحياته الدستورية من المادة 176 من الدستور الإيراني.
وأهمية المجلس أنه من يصنع القرارات على المستوى الاستراتيجي للبلاد، فإذا تمكن الرئيس من المناورة المحسوبة وعقد التحالفات اللازمة، فإنه يمكن أن يترك بصمة واضحة في الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي للبلاد، وهذا ما يفسر لنا عملية التصفية المنهجية المدروسة التي يقوم بها مجلس صيانة الدستور لأي مرشح محتمل للرئاسة.. رغم أن الكلمة الفصل للمرشد لكن ذلك لا ينهي أهمية منصب الرئيس.
• نجاح المرشح الإصلاحي وخسارة المحافظ
شهدنا جولتين من الانتخابات الرئاسية سمحت الجولة الثانية بوصول الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان على حساب سعيد جليلي “مرشح المرشد الأعلى وممثله”.
جاءت نسبة المشاركة صادمة في الجولة الأولى حيث نقصت عن 40 بالمئة، وهي نسبة المشاركة الأدنى تاريخيا في السباق الرئاسي الإيراني، وأقل من نسبة 41 بالمئة المعلنة في الانتخابات البرلمانية مارس آذار الماضي، لكنها ارتفعت إلى ما يقارب من 50 بالمائة في الجولة الثانية، ومع ذلك تبقى ضمن نسب المشاركة الأقل تاريخيًا.
في الجولة الأولى من الانتخابات التي دُعي لها قرابة 61 مليون ناخب، نال مرشح الإصلاحيين/ مسعود بزشكيان، أكثر من 10 ملايين و400 ألف صوت، فيما حصل المرشح الأصولي سعيد جليلي على أكثر من 9 ملايين و400 ألف صوت.
في الجولة الثانية والنهائية، شارك 30.646.000 ناخب بنسبة مشاركة بلغت 49.8 بالمئة وحصل بزشكيان على 16 مليون و384 ألف صوت، وخصمه سعيد جليلي، على 13 مليون و474 ألف صوت.
ومع فوز بزشكيان، فإنه المرشح الوحيد الذي حصل على 26.7 بالمائة من إجمالي الناخبين المؤهلين، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ويمثل الرئيس الأقل أصواتًا، ليس فقط بين الإصلاحيين، وإنما بين جميع الرؤساء الإيرانيين، منذ 45 عاماً بنسبة مشاركة 49.8 بالمائة.
لم يسمح انقسام جبهة المحافظين على نفسها بفوز التيار ولو توحدت لكنها شهدنا فوز جليلي بنسبة 50+1% ولما شهدنا جولة الإعادة.
قبيل الانتخابات انسحب المرشحان حسين زادة أمير هاشمي وعلي رضا زاكاني المحسوبان على التيار المحافظ لتوحيد الأصوات على مرشح واحد من التيار (كان يمثله ثلاثة مرشحين آخرين هم سعيد جليلي ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي ومحمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني أو البرلمان، ورجل الدين/ مصطفى بور محمدي. بمواجهة المرشح الإصلاحي بزشكيان
ويبدو أن الشعب الإيراني بعث برسالة رفض لمواقف حكومة الرئيس السابق/ ابراهيم رئيسي ونهجها لذلك تم اختيار رئيس إصلاحي، وترى بعض الآراء أن دعم أسرة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي لسعيد جليلي انتهى لصالح بزشكيان، حيث توقع جليلي بأن دعم أسرة رئيسي له سيكون سببًا في زيادة الأصوات لصالحه، لكن حدث عكس ذلك تمامًا، وخاف المواطنون من أن تكون حكومة جليلي تشبه حكومة رئيسي، وبالتالي استمرار الأزمات والمشكلات الحالية الموجودة، مما أدى إلى توجه أصوات المترددين نحو بزشكيان، خصوصًا في جولة الإعادة. هذا وتشير تقديرات أن نصف الأصوات التي حصل عليها منافس جليلي المحافظ في الجولة الأولى، رئيس البرلمان/ محمد باقر قاليباف، ذهبت لصالح بزشكيان.
وتجدر الإشارة أن الرئيس الجديد/ بزشكيان لا يمتلك أي خبرة دولية خلافًا للمرشح المحافظ سعيد جليلي، وكانت مسيرة جليلي المهنية ذات صلة بالشؤون الخارجية والمفاوضات النووية، وتولى بصفته أمينًا عامًا لمجلس الأمن القومي الإيراني مسؤولية الملف النووي في عام 2008، وذلك بقرار من الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وبقي في المنصب لمدة 5 سنوات وأجرى محادثات مكثفة مع المفاوضين الغربيين في أنحاء مختلفة من العالم، ولكن دون تحقيق أي تقدم في المحادثات لصالح إيران، وأنهى جليلي مهمته النووية بالتزامن مع إصدار مجلس الأمن الدولي ثلاث قرارات ضد إيران.
• خلفيات المرشح الإصلاحي
يعود انتماء الطبيب الجراح والسياسي الإصلاحي إلى العرق الآذري “التركي” ويبلغ 69 عامًا، وهو الأكبر سنًا من بين جميع المرشحين وينحدر من مدينة مهاباد بمحافظة أذربيجان الغربية.. حيث درس في مدينة أورومية، وأدى الخدمة العسكرية في محافظة سيستان وبلوشستان في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما جعله يقترب كثيرًا من ثقافات القوميات غير الفارسية ومعرفة الكثير عن احتياجاتهم ومطالبهم، وهو ما وضعه في موقف المدافع عن تلك القوميات أو الأقليات في أحيان كثيرة إبان وجوده في حكومة خاتمي سابقًا.
كما يعلن بزشكيان الولاء للمؤسسة الدينية الحاكمة، لكنه يدعو إلى تخفيف حدة العلاقات المتوترة مع الغرب والإصلاح الاقتصادي والتحرر الاجتماعي والتعددية السياسية.
• فرص وتحديات أمام الرئيس
صار الطبيب الأذري، مسعود بزشكيان، الرئيس التاسع لإيران والرئيس الثالث المحسوب على الاصلاحيين، وعليه الآن مواجهة إرث الرئيس الراحل/ إبراهيم رئيسي، المملوء بالأزمات والمشاكل.
يمكن القول إن الرئيس الجديد قد يمثل فرصة لكل الأطياف السياسية، باستثناء المحافظين بشكل جزئي، خصوصًا التيار الذي يرى في بزشكيان نموذجًا شبيهًا بنموذج خاتمي الذي هوجم خلال فترتيه الرئاسيتين ووصفه المحافظون بأنه ورفاقه في خنادق النفاق، حين تبنوا مبادرة فكرية لكسر الجمود في علاقات إيران مع العالم العربي والغربي.
من جهة أخرى فإن انتخاب بزشكيان يعد فرصة مهمة لأنصار التيار الإصلاحي في إيران، حيث يُنتظر أن يخفف وجوده من حدة العداء الرسمي لرموز الإصلاحيين، بالتحديد الذين وضعهم المرشد -بناء على توصيات المحافظين – في الإقامة الجبرية وعلى رأسهم الرئيس الإصلاحي الأسبق/ محمد خاتمي وزعيم تيار الحركة الخضراء/ مير حسين موسوي.
والأهم أن دعم الإصلاحيين للرئيس الجديد كان يراد منه إعادة الزخم الفكري والسياسي لفترة الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي، وهو ما دفع عدد كبير من الإصلاحيين للإعلان عن دعمهم لبزشكيان وعلى رأسهم إسحاق جهانجيري ووضع خاتمي كل إمكانيات التيار الإصلاحي تحت تصرف بزشكيان.. ويريد الإصلاحيين من الرئيس الجديد تنفيذ أجندتهم الفكرية المتمثلة في إعادتهم للمشهد السياسي مرة أخرى والتقاط الأنفاس من خلال التفاوض على تحقيق انفراجة اقتصادية من خلال التفاوض مع القوى التي فرضت العقوبات على بلادهم.
في العمق، يمكن اعتبار “بزشكيان” فرصة مهمة لنظام الثورة الاسلامية، لاسيما أن بزشكيان نفسه ليس عدوًا للنظام الإيراني، وقد بدأ دعمه للنظام من خلال مشاركته في الحرب العراقية ــ الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي كمقاتل عسكري وكطبيب معالج للمصابين في تلك الحرب، ونشط كثيرًا في جبهات القتال وكان مسؤلًا في تلك الحرب عن إرسال الفرق الطبية إلى الجبهات لعلاج المصابين، وبالتالي بحسب الآراء المؤيدة له من عمق النظام، كونه طبيبًا وليس رجل دين، وإصلاحيًا وليس محافظًا لا يجعله في مواجهة مع بيت المرشد أو مؤسسة القيادة، بقدر ما يجعله منقذًا للنظام من أزمات موجودة بالفعل وأخرى تلوح في الأفق. هذا وحاول مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية الحصول على “مباركة” المرشد الأعلى، حين أكد أكثر من مرة على أن خامنئي هو الذي يحدد في نهاية المطاف السياسات العامة للبلاد، ومن واجب الحكومة التحرك في نفس الاتجاه.
خارجيًا، فوز بزشكيان يفتح الباب أمام فرص تواصل أفضل مع الولايات المتحدة وإرسال رسائل إيجابية من شأنها أن تخفف من حدة العقوبات المفروضة على طهران والعودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي، التي أيدها بزشكيان بنفسه في مناظرات الانتخابات أمام جليلي وفي مواقفه السياسية السابقة. ولذلك فالمتوقع أن يلعب وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف دورًا عامًا وفعلًا في حكومة الرئيس الجديد بسبب قدرات “ظريف” السياسية والتفاوضية مع الغرب كونه يجيد الإنجليزية، بالإضافة إلى كونه أحد مهندسي الاتفاق النووي عام 2015 خلال توليه منصب وزير الخارجية في حكومة روحاني بين 2013 و2021.
والراجح أن ظريف لن يعود وزيرًا للخارجية التي لم تعد تليق بطموحاته، ولن يستطيع تقديم أي جديد فيها، بسبب خلافاته مع أطراف فاعلة عديدة في النظام.
من جهة أخرى، نذكر هنا أن بزشكيان تعهد بالانفتاح على الغرب، لكنه هذا التعهد بفتح باب التساؤل عن موقف المرشد الأعلى الذي كان قد ألقى كلمة قبيل الجولة الانتخابية الأولى، حدد بعض خطوط السياسة الخارجية للمرشحين ودعاهم إلى معاهدة الله بأنهم إن فازوا بأصوات الشعب، ألا يستعينوا بأولئك الذين يعتمدون على قوى مثل أميركا في حكومتهم. وهي الرسالة التي فسرها بعض المراقبين بأنها موجهة للمرشح الإصلاحي وهو تحذير واضح له بعدم اختيار جواد ظريف لتولي وزارة الخارجية وإعادة السيرورة السابقة نحو الغرب.
• تحديات وأزمات تواجه بزكشيان
تعيش إيران أزمات مضاعفة وكلها مستمرة ومتصاعدة وعلى الرئيس الجديد التعامل معها، وأهم تلك الأزمات أزمة الاتفاق النووي وتحديات إحيائه وأزمة مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تصنف إيران في قوائمها السوداء، وأزمة المتقاعدين، التي شهدت في السنوات الثلاث الأخيرة، تفاقمًا كبيرًا، ما دفع بآلاف المتقاعدين إلى التظاهر والاحتجاج المستمر.. والأزمة الأهم أسعار الوقود التي تهدد بانفجار الأوضاع إذا ما ارتفع سعر الوقود الذي وعد رئيس حملة بزكشيان الانتخابية برفع سعره أضعاف السعر الموجود حاليًا.
ويبقى على الرئيس ضرورة تحسين سعر النفط لتحقيق وعده بزيادة حد الإعفاء الضريبي وهو وعد لا يمكن تنفيذه بدون زيادة مبيعات النفط. أما مطالب التيارات الليبرالية بقضايا “الحجاب الإجباري” و”شرطة الأخلاق”، فإن “بزشكيان” والمقربين منه يدركون أن القرار النهائي حول هذا الملف ليس من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، وإنما تديره مؤسسات أخرى يشرف عليها المرشد الأعلى بنفسه.
وقبل ذلك كله، فإن الرئيس الإصلاحي الذي قد يختار تشكيلة وزارية محسوبة عليه -خصوصًا في وزارة الخارجية- الراجح أنه سيواجه تحديات كبرى بإقناع البرلمان المتشدد والثوري بمنح تلك الحكومة الثقة. لذلك المتوقع تشكيل حكومة ائتلاف وطني من المحافظين والإصلاحيين في إيران تتناسب مع عقلية الرئيس الجديد الذي وصفه المرشد قبلًا بأنه أصولي وإصلاحي بذات الوقت.
• متغيرات دولية وإقليمية
بعثت أمريكا برسائل دبلوماسية لم تظهر موقفها الحاسم من إيران، وهذا بطبيعة الحال بسبب انشغال الأخيرة بالانتخابات والصراعات بين ترامب وبايدن، لكن أكد البيت الأبيض أنه لا يتوقع أي تغيير في سلوك نظام إيران بعد انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا جديدًا، ليشير إلى عدم استعداد الولايات المتحدة الأميركية لاستئناف المفاوضات النووية مع طهران، بحسب تأكيدات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي.
وأكد المتحدث أن النظام الإيراني ما يزال يدعم “الجماعات الإرهابية”، مثل حزب الله وحماس وميليشيات الحوثي.. مشيرًا إلى إرسال إيران طائرات مُسيّرة وخبراء في تلك الطائرات إلى روسيا؛ لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، وقال: “إن روسيا تقتل المدنيين، بهذا الدعم الإيراني، مثلما رأينا في هجمات الأيام الماضية على أوكرانيا”.
وسبق أن وجّه الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، قد وجه رسالة، إلى الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، مؤكدًا فيها أن دعم حكومته لـ “جماعات المقاومة” سيستمر وبقوة.
خليجًا، استفتح عهد الرئيس الجديد باحتجاج طهران لدى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على بيان جامعة الدول العربية في قمة البحرين الأخيرة الداعي “لإيجاد حل سلمي” لقضية الجزر الثلاث التي تطالب بها الإمارات العربية المتحدة.
وفي رسالة الاحتجاج، اعتبرت طهران أن بيان الجامعة العربية يعد “انتهاكا واضحا وتدخلا غير عادل في الشؤون الداخلية” الإيرانية، وفقا لما أوردت وكالة “مهر” للأنباء. كما دانت إيران بشدة ما اعتبرته “استخدام اسم مزيف للخليج الفارسي في الفقرتين 11 و16 من البيان المذكور، واعتبرت ذلك غير مقبول”!.
This post has already been read 104 times!