• كير ستارمر يصعد إلى رئاسة الحكومة بعد فشل ريشي سوناك السياسي
• الانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة.. بين ظلم الأحزاب الصغيرة وتحالف الناخبين
عاشت بريطانيا مرحلة مفصلية مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية التي شهدنا فيها نهاية 14 عامًا من سيطرة المحافظين على البرلمان والحكومة وعودة حزب العمال للحكم بحسب أغلب استطلاعات الرأي واعتراف زعماء المحافظين أنفسهم.
• خصوصية الانتخابات في بريطانيا
تقوم الانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة على نظام الفوز من جولة واحدة لهيئتها التشريعية، فمن يحصل على عدد أكبر من الأصوات يفوز بالمقعد النيابي، بشكل يتمايز عن أوروبا، وهذا ما اعتبره البعض نظامًا يظلم الأحزاب الصغيرة (الإصلاح- الخضر) والتي تحصل على عدد جيد من الأصوات ولكن ليس لديها سوى عدد قليل من المقاعد لتمثيلها.
إلا أن المؤيدين لهذا النظام يعتبرون أنه يحقق نتائج جذرية تغير مشهد الخارطة السياسية عندما يكون الناخبون متحالفين ومستعدين للتصويت من الناحية التكتيكية.
ويضم مجلس العموم البريطاني 650 نائبا أو عضوا في البرلمان، ويمثل كل من “مقاعدهم” دائرة انتخابية فردية أو منطقة في البلاد.
• خسارة المحافظين
فاز حزب العمال بغالبية مقاعد البرلمان البريطاني ليتسلم زعيمه/ كير ستارمر رئاسة الحكومة من رئيسها السابق/ ريشي سوناك.
حيث نال حزب العمال 412 مقعدا، وانخفض عدد مقاعد حزب المحافظين إلى 121 مقعدًا فقط، وحصل حزب الديمقراطيين الأحرار على 71 مقعدًا.
أمّا حزب الإصلاح الذي (أُنشئ في بادئ الأمر ليكون حزب البريكست -انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي)، حصل على أربعة مقاعد.
ونشير أن رئيس الوزراء السابق/ ريشي سوناك، فاز بمقعده في يوركشاير بأغلبية مريحة بلغت حوالي 12000 صوت.
وحقق حزب العمال، المحسوب على يسار الوسط، انتصاراً في جميع أنحاء البلاد، ضاعف فيه عدد أعضاء البرلمان بأكثر من الضعف وحصل على أغلبية مقاربة لما حققه طوني بلير في عام 1997.
وحصل المحافظين على أقل من نصف مقاعدهم لعام 2019، بعد خسائر متعددة في المناطق التقليدية مثل المقاطعات المحيطة بلندن.
في الشمال في اسكتلندا، فقد الحزب الوطني الاسكتلندي تموضعه القوي بعد أن حظي بستة نواب فقط، بعد أن حصل على 48 مقعدًا من أصل 59 مقعدًا في اسكتلندا في عام 2019.
يأتي ذلك بعد سلسلة من الفضائح والتقلبات في قيادة الحزب.
وسيدخل البرلمان الأسبوع المقبل نواب جدد مثل رئيس حزب الإصلاح/ نايجل فاراج، وثلاثة نواب أخرين من ذات الحزب، استفادوا من امتعاض القاعدة الشعبية للمحافظين.
• محركات ومسببات خسارة المحافظين
وجد حزب المحافظين نفسه أمام مفترق طرق، فبعد أن كان الحزب المهيمن في المملكة المتحدة على مدى القرنين الماضيين، يُعاني اليوم من هزيمة تاريخية على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عام 1832؛ حيث تمثلت خيارات الناخب بشكل واضح، بعد خمس سنوات من تخبط السياسة البريطانية في ظل فضائح متعددة واستقالات كثيرة، بما في ذلك استقالة اثنين من رؤساء الوزراء، بوريس جونسون وليز تروس.
ويعتبر صعود حزب الإصلاح البريطاني، واجتذابه شريحة واسعة من الناخبين المحافظين المحبطين، عاملًا مهمًا في فقدان المحافظين أكثر من 250 مقعداً لصالح أحزاب أخرى.. حيث خسر العديد من المحافظين البارزين مقاعدهم لصالح مرشحي العمّال والإصلاح والمستقلين، بشكل وافق التنبؤات بعد التبعات السياسية والاقتصادية لمعالجة حكومة المحافظين ملفات داخلية وخارجية شائكة، كغلاء المعيشة والحرب في أوكرانيا وفي غزة. (نشير هنا أن حزب العمال نفسه خسر أربعة مقاعد لصالح مرشحين مستقلين جعلوا من غزة عنواناً لحملاتهم الانتخابية)
• مستقبل حزب المحافظين
تجرع الحزب المحافظ أكبر خسارة مدوية في تاريخه منذ قرابة قرنين، وهي خسارة ستلقي بظلالها على نهج وعمل الحزب الذي سيستقيل رئيسه/ ريشي سوناك ومن المقرر أن يجتمع مجلس الحزب المحافظ مطلع الأسبوع المقبل لتحديد من سيتولى منصب رئيسها التنفيذي. ومن ثم ستضع اللجنة جدولا زمنيا للمنافسة على رئاسة الحزب، حيث تشير التقديرات أن سوناك لن يتخلى فوريًا سوناك عن المنصب، وبحسب التصريحات الإعلامية فهو على استعداد للبقاء قائدًا للحزب في الوقت الحالي، بما في ذلك الإجابة على أسئلة رئيس الوزراء، السير كير ستارمر، في الأسابيع المقبلة، وطرح الأسئلة عليه.
وتتقاطع الآراء أن موعد صدور الميزانية في سبتمبر أيلول المقبل، هو الموعد المنتظر ليكون زعيم جديد للحزب المحافظ الذي بعد النتيجة لا شك سيبحث عن الروح بالنسبة لحزب مثقل بالهزيمة.
• خطط حزب العمال
تقدم حزب العمال بمجموعة تعهدات في البيان الانتخابي، يجب عليه تنفيذها بعد فوزه بغالبية المقاعد في مجلس العموم البريطاني.. ومن أبرز النقاط والتعهدات:
توفير الاستقرار الاقتصادي من خلال قواعد واضحة بشأن الضرائب والإنفاق، وتشمل عدم زيادة معدلات ضريبة الدخل الحالية أو التأمين أو ضريبة القيمة المضافة.
تحسين الخدمات الصحية، وزيادة البدلات للعمل في عطلات نهاية الأسبوع والعمل المسائي.
إنشاء قيادة أمن الحدود بصلاحيات مماثلة لصلاحيات محاربة الإرهاب بهدف وقف عصابات الاتجار بالبشر وتهريبهم.
إنشاء شركة طاقة نظيفة مملوكة للقطاع العام، بهدف خلق فرص عمل والاستثمار في الطاقة النظيفة
معالجة السلوكيات المعادية للمجتمع من خلال 13 ألف ضابط شرطة إضافي وضباط دعم مجتمعي في إنجلترا وويلز
توظيف 6500 معلم إضافي وتقديم نوادي إفطار مجانية في كل مدرسة ابتدائية في إنجلترا.
ويذكر أن أولى قرارات رئيس الوزراء الجديد، إلغاء خطة رواندا لترحيل المهاجرين إلى البلد الإفريقي من طالبي اللجوء.
• مسارات المستقبل ومواقف حزب العمال من قضايا المنطقة
سبق لرئيس الوزراء الجديد، زعيم حزب العمال/ كير ستارمر، في بداية الحرب في غزة أن تحدث عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بكل السبل الممكنة”. ودعا حينها نواب حزبه إلى الامتناع عن التصويت على مقترح في مجلس العموم يدعو إلى وقف إطلاق النار في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، قبل أن يعود بعد أشهر ويدعو إلى وقف إطلاق نار ودعم انطلاق عملية تسوية سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
إلى ذلك، تعتبر هذه أول انتخابات عامة في المملكة المتحدة منذ خروجها رسميًا من الاتحاد الأوروبي.. الخروج الذي وصف حينها بأنه ثورة سياسية. ومن أبرز نتائج هذه الانتخابات خروج كل قادة حزب المحافظين الذين قادوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – جونسون، وريس-موج، ومايكل جوف – أصبحوا جميعًا خارج مجلس العموم، في حين يبدو سوناك في موقف محرج.
في مسارات المستقبل لا يتوقع حدوث أي تحول في السياسة، فقد استبعد ستارمر، على الرغم من أنه أيد البقاء، الانضمام مرة أخرى إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الجمركي.. لكنه يواجه عدد من القرارات الحاسمة حول النموذج الاقتصادي للمملكة المتحدة ومكانتها في العالم.
This post has already been read 235 times!