فجرت أحداث الشغب الأخيرة التي شهدتها مدينة قيصري في تركيا ضد اللاجئين السوريين، التساؤلات عن محركات العنصرية التي بدت واضحة من الأتراك ضد الأجانب عمومًا واللاجئ السوري بالتحديد.
ورغم الأسباب الظاهرية التي تفجرت جراءها الاحتجاجات، فإن موجة العنف والتكسير وانتقالها لمدن أخرى مع دعوات متناقضة لإخراج اللاجئين وأخرى لتهدئة النفوس، تؤكد أن القضية أكبر من مجرد أزمة عادية أو احتقان.
فالبعد الخارجي الضاغط على تركيا، يستغل وجود اللاجئين لإضعاف المشهد الداخلي التركي عبر تلك الورقة مستغلًا وجود العنصرية نفسها بشكل ما في تركيا ضد كل ما هو أجنبي، وبذات الوقت ضعف الإجراءات الحكومية لمواجهة العنصرية وكراهية الأجانب، والتي باتت سمة عالمية فيما يبدو مع ارتفاع أصوات اليمين في أوروبا وأمريكا وكثير من الدول.
ويمكن إجمال أسباب ومحركات العنصرية التركية ضد ما هو أجنبي إلى جملة من العوامل المتداخلة والمتراكبة تعود لنشوء الجمهورية والمرحلة التي سبقتها بصعود الفكر الطوراني أواخر عهد الدولة العثمانية والذي مايز العرق التركي عن بقية أعراق الدولة، ثم جاءت الجمهورية لتتسمى باسم الشعب وتعلن وحدة الأمة والقومية ضمن نظرية قومية واضحة تتبنى التركية وتفوق العرق التركي في كل المجالات والمناهج والتدريس وغيره.
يضاف لذلك انعزال الجمهورية عن دول الجوار خلال القرن الماضي ضمن سياسة التوجه غربًا ومحاولة اثبات أن الجمهورية التركية دولة غربية، يتفوق شعبها عن الشعوب الشرقية في بعده العام، دون نسيان ما زرع في أذهان الأتراك من اتهامات للعرب بخيانتهم في الحرب العالمية الأولى، ورغم بطلان هذه الدعوى، بقيت حاضرة في وجدان الكثير مع تواني الدولة عن الدفع الجاد بهذه التهمة عن العقل الجمعي التركي، دون نسيان تأثير العلمانيين ودعايتهم في ذلك.
ختامًا، فإن الظروف الاقتصادية تسبب ارتفاع مستوى التململ من تواجد الأجانب في أي بلد، ومع ما تعيشه تركيا من أزمات اقتصادية متعاقبة، وفشل حكومي في معالجتها، تجد الأصوات الكارهة للاجئين الذريعة المناسبة التي تهيج الجماهير وتسمح بتجنيد ضعاف النفوس في إشعال فتن مجتمعية خطيرة تدخل البلاد في دوامة لا يعرف منتهاها، ما لم تحسم الدولة والحكومة أمرها بمواقف جادة وفاعلة تتجاوز الخطاب المتكرر عن حقوق الإنسان واللاجئ دون تعديلات قانونية جذرية وخطوات عملية في الشارع التركي، لمصلحة تركيا وشعبها أولًا ولتعزيز علاقتها مع عمقها التاريخي العربي ثانيًا.
وليست طريقة التعامل القاسية ضد اللاجئين هو الدليل الوحيد على وجود هذه العنصرية ولكنها الدليل الأخير والذي سبقه طريقة تعامل الحكومات المتعاقبة في التسعينات ضد الأكراد وهم فئة من الشعب التركي.
This post has already been read 114 times!