قامت حكومتي الكويت والمملكة العربية السعودية بتوقيع محضر تطوير حقل الدرة الغازي في الخليج العربي، وهو الحقل الذي شكل بؤرة توتر مع إيران لوقوعه في منطقة حدودية بحرية متنازع عليها – بالنسبة لطهران – لم تخضع للترسيم بعد رغم مطالبات الكويت واستعدادها للتحكيم الدولي في أزمة الحقل في ظل التعنت الإيراني المتكرر.. وكذلك في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية التي تشمل حقلي الخفجي والوفرة ويقدّر انتاجهما بين 500 – 600 ألف برميل نفط يوميًا تُقسم مناصفة بين البلدين.. وسبق أن وقع البلدان مذكرة تفاهم مشتركة في ديسمبر 2019 حول الحقل المشترك وصولًا إلى المحضر الأخير في مارس 2022.
تتناول هذه الدراسة تقدير الموقف حول أزمة حقل الدرة الأخيرة والسيناريوهات المحتملة والتوصيات اللازمة لمواجهة خطورة الأزمة.
أولًا: أهمية الحقل والإشكاليات المرتبطة به
أ – الأهمية واتفاق التعاون
تنبع أهمية الحقل وحساسية وضعه من كونه حقل غاز مشتركا في منطقة بحرية مشتركة (امتداد المنطقة المحايدة) بين الكويت والرياض، ويتمتع بقدرات إنتاجية ضخمة للغاز الطبيعي تقدر بـ11 ترليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وما يقارب 300 مليون برميل نفطي؛ ما جعله محط أطماع طهران التي تنازع في ملكيتها لجزء من الحقل في حدودها البحرية.
واكتُشف الحقل منذ ستينيات القرن الماضي إلا أن النزاع الحدودي أخر عمليات استثمار وتطوير الحقل خلال العقود الماضية وصولًا لنهاية شهر مارس 2022، حيث اتفق في ذلك الوقت وزير النفط الكويتي محمد الفارس مع وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان على محضر تطوير للحقل تقوم فيه شركة عمليات الخفجي «المشتركة بين أرامكو والكويتية للنفط» بعمليات تطويرية لتصل بالحقل إلى قدرة انتاج مليار قدم مكعبة و84 ألف برميل من المكثفات/ يوميًا؛ من خلال اختيار استشاري يعمل الدراسات الهندسية اللازمة والتقنيات والأساليب والتقنيات الحديثة لتحقيق فاعلية وأداء ناجح من النواحي الرأسمالية والتشغيلية والبيئية.
وحول آلية الإنتاج فسيقسم الناتج بالتساوي بين الشريكين بمراعاة خيار الفصل البحري، حيث ستفصل حصة كل من الشريكين في البحر، ومن هناك ترسل حصة شركة أرامكو لأعمال الخليج من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات إلى مرافق الشركة في الخفجي، أما حصة الشركة الكويتية لنفط الخليج من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز والمكثفات ستبعث إلى مرافقها في الزور.
ب – تاريخ الخلاف
شهدت البقعة المشتركة خلافا ثلاثيــًا بين كل من الكويت والرياض وطهران خلال السنوات الماضية.. وفي حين اتجه الخلاف الكويتي السعودي للتهدئة في المنطقة المحايدة ومن ثم في حقل الدرة؛ فإن الأزمة مع إيران تبدو مستمرة، خصوصًا مع تطورات الشهور الماضية التي جاءت مكملة لأزمة متصاعدة خلال العقدين الماضيين.
الخلاف مع إيران حول الحقل الغازي يرجع إلى الستينيات من القرن العشرين حين منحت طهران امتياز التنقيب والاستغلال للشركة الإيرانية البريطانية للنفط بالتوازي مع منح الكويت امتياز التنقيب لشركة «رويال داتش شل» بشكل سبب تداخل الامتيازين في شمال حقل الدرة الذي تحول منذ ذلك الوقت لبؤرة توتر تسببت بتأخير استثماره واستفادة الكويت من عائداته.
شهد عام 2011 بداية التنقيب الإيراني عن الغاز في الحقل؛ ما دفع بالكويت والسعودية إلى عقد اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة، لتشهد الأعوام التالية مباحثات لتسوية الخلاف حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، إلا أنها لم تؤد الى نتيجة.
وفي 26 أغسطس 2015، استدعت الخارجية الكويتية القائم بأعمال السفارة الإيرانية لديها احتجاجا على طرح إيران مشروعين لتطوير حقل الدرة النفطي، حسبما ذكرت الخارجية الكويتية.
حينها قالت الخارجية الكويتية إنها سلمت مذكرة احتجاج بسبب تقارير أشارت إلى قيام شركة النفط الوطنية الإيرانية بإصدار نشرة بشأن الفرص الاستثمارية النفطية في إيران متضمنة فرصا للاستثمار في أجزاء من امتداد حقل الدرة، الواقع في المنطقة البحرية المتداخلة التي لم يتم ترسيمها بين الكويت وإيران.
وفي ديسمبر عام 2019، وقعت الكويت والسعودية مذكرة تفاهم «تضمنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرة»، حيث جاء الاتفاق الجديد في مارس 2022 كترجمة فعلية لها.
ثانيا: مواقف الفواعل حول الحقل
فتح اتفاق تطوير الحقل سجالًا دبلوماسيًا حول ملكية الحقل والجهات صاحبة حق الامتياز في عوائده، خصوصًا مع ادعاء طهران أن لها حقا في الحقل ورفضها للمحضر الموقع بين الكويت والسعودية.
أ – الموقف الإيراني
بعد توقيع محضر تطوير الحقل وفي 26 مارس ٢٠٢٢، أعلنت الخارجية الإيرانية، حقّ بلادها بالاستثمار في حقل الدرة للغاز المشترك مع الكويت والسعودية.. وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، عبر تويتر، أنّ حقل «آرش/ الدرة» للغاز هو حقل مشترك بين إيران والكويت والمملكة العربية السعودية، وتقع أجزاء منه داخل المياه الحدودية بين إيران والكويت، معتبرًا أنّ بلاده تحتفظ بالحق في استغلال حقل الغاز المشترك.
بدورها، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن المتحدّث باسم وزارة الخارجية قوله «التحرك الأخير من جانب الكويت والسعودية في إطار وثيقة تعاون مخالف لما تمّ التفاوض عليه سابقًا، وغير قانوني».
لتؤكد طهران أن «أي عمل فيما يتعلق بتشغيل وتطوير هذا الحقل يجب أن يتم بالتنسيق مع الدول الثلاث».
كما أكدت الخارجية الإيرانية، على لسان المتحدث، أن طهران مستعدة للدخول في مفاوضات مع الرياض والكويت حول كيفية الاستثمار في هذا الحقل المشترك «بالتزامن مع مواصلة المفاوضات الثنائية مع الكويت في إطار نتائج المفاوضات السابقة معها حول تحديد حدود الجرف القاري، وكذلك بدء المفاوضات ثلاثية الجانب لتحديد النقطة الثلاثية فيما بين هذه الدول»، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية.
وكان وزير النفط الإيراني جواد أوجي في ذلك الوقت أكد أن عمليات الحفر في حقل «آرش» الغازي – الاسم الإيراني للحقل – المشترك ستبدأ قريباً، مؤكدًا أن الدراسات الشاملة للحقل المشترك قد اكتملت بحفر بئر التنقيب وإنجاز المسح الزلزالي.
وكتب أوجي في تغريدة له على موقع «تويتر»، وفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»، أن عمليات الحفر في هذا الحقل ستبدأ قريباً بنصب القاعدة، مؤكداً أنه «رغم رغبتنا بالتفاوض والتعاون لتطوير الحقول المشتركة إلا أن الإجراءات الأحادية لا تمنع تنفيذ المشروع المذكور». ليعلن أن «التصرف من طرف واحد (يقصد السعودية والكويت) بشأن الحقل لن يمنعنا من تطبيق خطتنا».
ب – الموقف الكويتي
أكد الشيخ أحمد الناصر، وزير الخارجية في ذلك الوقت، أن إيران ليست طرفًا في حقل الدرة الغازي.. معتبرًا في تصريحاته يوم 29 مارس 2022 أن الحقل كويتي سعودي خالص.
أما المفاوضات التي سبق أن ذكرها وزير الخارجية فأوضح أن مقصده كان حول ترسيم الجرف القاري بين الكويت والرياض وطهران.
وكانت التصريحات الكويتية الرسمية أوضحت بطلان ادعاءات إيران في الحقل كونها تخالف القانون الدولي والقواعد المعمول بها في ترسيم الحدود البحرية.
ت – الموقف السعودي
أكد بيان مشترك لوزارتي الخارجية السعودية والكويتية أن البلدين يجددان، «بصفتهما طرفاً تفاوضياً واحداً»، دعوة إيران إلى ترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المقسومة المغمورة بين البلدين الخليجيين، كما أوضح البيان، الذي نقلته وكالتا الأنباء الرسمية في البلدين، أن طهران لم تستجب لدعوات سابقة لإجراء المفاوضات.
وسبق أن أوضحت الخارجية السعودية، في بيان لها، أنه «بتاريخ 21 مارس 2022، اتفق الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة في المملكة، ومحمد الفارس الذي كان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط ووزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة في الكويت، بمحضر الاجتماع الموقع بينهما، على العمل لاستغلال حقل الدرة الواقع في المنطقة المغمورة المقسومة».
وجاء في بيان الخارجية السعودية: «تؤكد كل من السعودية والكويت على حقهما في استغلال الثروات الطبيعية في هذه المنطقة، وعلى استمرار العمل لإنفاذ ما تم الاتفاق عليه بموجب المحضر الموقع بينهما، بتاريخ 21 مارس 2022».
ثالثاً: الانعكاسات والسيناريوهات المحتملة
إن حساسية التوقيت المرتبطة بتطوير الحقل والسعي لاستغلاله من قبل السعودية والكويت، بالتوازي مع تأكيد إيران رفضها لأي تطوير أو استثمار للحقل من دون وجودها، يرتبط بجملة من المتغيرات:
1 – الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا بين الأميركان وطهران، والتي ما تزال تتأرجح بين إقبال وإدبار.
2 – أزمة الطاقة عالمياً، والتي ارتفعت حدتها مع العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا والحرب في غزة.
3 – المناكفات والحوار المفترض بين الرياض وطهران حول جملة من القضايا الإقليمية وقضايا الاتفاق النووي.
ونتيجة تلك التقاطعات لا يستبعد أن إثارة طهران للملف جاءت بهدف التوظيف السياسي لقضية الحقل، واستخدامه كورقة تفاوضية أمام الخليجيين لضمان تنازلات معينة حول قضية البرنامج النووي وملفات أخرى كاليمن وغيرها، حيث تحاول طهران إشغال المملكة ومن ورائها العالم بقضية الحقل، لصرف الأنظار عن القضايا الأهم، من اتفاق نووي وخطر إيران على الأمن الإقليمي (في الكويت قضايا الخلايا الإرهابية مثلاً).
• التكتيك الإيراني
من زاوية أخرى يبرز لنا احتمال كامن حول توقيت ومحركات إثارة ملف الحقل كحركة إيرانية تسعى إلى فصل المفاوضات الكويتية مع إيران عن المفاوضات بين طهران والسعودية حول ترسيم الجرف القاري، كتكتيك إيراني لتفكيك جبهة الخصوم.. ومن مؤشرات هذا الاحتمال تصريحات كويتية مختصة أوضحت سابقاً أن رغبة إيران في ترسيم حدود الجرف القاري خارج قانون البحار بشكل يشابه ترسيم الحدود البحرية مع المملكة، فتصبح الحدود من جزيرة خرج الإيرانية إلى البر الكويتي. (يجب التركيز على أن البيان المشترك لخارجيتي السعودية والكويت أكد أن البلدين طرف تفاوضي واحد كما ذكرنا أعلاه).
إن أهم منعكسات الأزمة، ما يمكننا اعتباره بداية أو جولة رئيسية من حروب الطاقة والغاز في الخليج العربي بشكل يشابه ما جرى من أزمة الطاقة والغاز شرق المتوسط.
ويمكن بذلك القول إن إيران قرأت توقيع محضر التعاون جاء كـ«ردٍ سعودي» على هجمات أرامكو والاعتداءات الحوثية على مدن المملكة، مما سرّع خطوات البلدين الخليجيين في استثمار غاز حقل الدرة.. لتكون هذه بداية أزمة الطاقة والغاز.
• سيناريوهات محتملة
إن استمرار إيران في تجاهل مطالب البلدين بترسيم الحدود البحرية، وإذا ما استمرت بخطط تطوير واستثمار مخزونات الحقل، يوحي بأزمة متراكبة على صعيد أمن الطاقة وأمن بلدان الخليج (الكويت والسعودية) في سعي لتحقيق طهران عوائد اقتصادية قوية ومكاسب سياسية على صعيد الاتفاق النووي والتغلغل الإقليمي.
بذلك نحن أمام جملة من السيناريوهات المتعلقة بأزمة الحقل:
1 – رغبة إيران في استثمار جزء من عائدات الحقل، وهنا سنشهد إصرارًا إيرانيًا على المواجهة والمطالبة بحقوقها المزعومة في استخراج غاز الدرة وعليه قد تلجأ لجملة من الخيارات:
2 – التهديد باستخدام القوة المباشرة وغير المباشرة في أزمة الحقل.
3 – عرقلة عمل الشركات المطورة للحقل والمستثمرة عبر الاحتكاك المباشر وعمليات قرصنة واستخدام مرتزقة.
4 – حماية وإدخال شركات خاصة بإيران لاستخراج الغاز من الحقل، مشفوعة بقوة حماية ومستغلة كواليس مفاوضات النووي وسعي واشنطن لتعويض النفط والغاز الروسيين.
5 – تحريض العراق على مواجهة ورفض ما يجري في الحقل الكويتي السعودي المشترك والمطالبة بحصة لبغداد في الحقل بدعم إيراني (لإضعاف الموقف الخليجي).
6 – استمرار إيران في الاحتجاج والرفض والسعي لتحقيق مكاسب تفاوضية مع الخليجيين ومع الأميركان، بحيث تتخلى عن مطالبها بالحقل مقابل حلّ مشكلات ترسيم الحدود مع الكويت والسعودية كحركة مقايضة لا تتخلى فيها عن الحقل مجانًا.
بالتأمل في كلا السيناريوهين لا نجد فيهما تعارضًا لكون طهران تطمع بتحقيق استراتيجيتها الطويلة الأمد في المنطقة والخليج، ولديها صبر استراتيجي يدفعها – ربما – للقبول بالتفاوض مع الخليجيين مع التلويح بخيارات السيناريو الأول سعيًا لتحقيقه على المدى البعيد (العمل على أخذ الحقل إذا ما حققت اختراقات مهمة في الاتفاق النووي).
وعليه، فإن تعزيز التعاون والتضامن الخليجي ككل والسعودي الكويتي في هذه النقطة وهذا التوقيت مطلوب بقوة (أشرنا سابقًا الى أن رغبة طهران بتفكيك التفاوض مع الطرف الخليجي إلى طرفين) وبسبب حساسية المرحلة تستوجب إزاحة الخلافات السابقة أو العمل على سرعة حلها – وهذا ما لمسناه من تحركات الجانبين السعودي والكويتي أخيرًا – لكن يجب ضمان عدم انخراط القوى الغربية وأميركا في دعم توجه طهران، لاسيما في مفاوضات الاتفاق النووي التي تستخدم فيها إيران قضية النفط والغاز كمخرج محتمل أمام الغربيين وحاجتهم للطاقة ضد غاز روسيا.
• الوحدة الخليجية
إن الحاجة الكويتية – وكذلك السعودية – لاستغلال ثروات الحقل باتت ملحة في ظل تعطش أسواق الطاقة العالمية مع منعكسات الحرب الروسية- الأوكرانية بالتوازي مع ارتباط بقية موردي الغاز لأوروبا بعقود والتزامات خاصة تمنعهم من سد العجز المنتظر.. لكن هذه الجزئية تستوجب حذرا وتأنيًا خاصًا حول موقف موسكو من قضايا تصدير الغاز بشكل يضعف موقفها أمام الغرب، والروس على علاقة خاصة مع إيران ما قد يسمح بتحريض أو تثبيط تحركات طهران حول الخليج وأزمة الطاقة، وهذه نقطة تستوجب دراسة دقيقة وتوازنات جيوسياسية وجيواقتصادية بحسابات مدروسة، بعد استمزاج آراء الفواعل الدولية الصينية والأميركية والإقليمية من تركيا ومصر وغيرها. دون نسيان ضرورة تعزيز الوحدة الخليجية لمواجهة التهديدات المحتملة.
• زيارات دولة لسمو الأمير
أصدرت عدة دول بيانات مشتركة مع الكويت حيث أكدت على احقية الكويت والسعودية في حقل الدرة خلال زيارات قام بها سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد لمصر والأردن وقطر والسعودية والبحرين، فما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استمرار دعم تركيا لسيادة الكويت وأمنها وسلامتها الإقليمية، وأجمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، في البيان الختامي لاجتماعهم، الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض، الأحد 3 مارس 2024، على رفض الادّعاءات الإيرانية، بأن لها حقوقًا في حقل الدرة.
This post has already been read 214 times!