التمهيد
بعد أشهر قليلة من زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض، يستعد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي للتوجه غداً الإثنين إلى البيت الأبيض، حيث سيكون هذا اللقاء مع ترامب يوم 7 يوليو الجاري هو الثالث هذا العام بين ترامب ونتنياهو والذي يؤكد بتكراره أنه هناك ما يحاك في كواليس الطرفين في ملفات المنطقة العالقة.
المحور
الزيارة السابقة
قام نتنياهو بزيارة عاجلة إلى البيت الأبيض في شهر إبريل/نيسان الماضي، والتي كانت مخيبة لآمال الكيان الصهيوني وحينها تم إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، قبيل وقت قصير من وصول الأخير إلى الاجتماع، وحينها كان الخلاف الرئيسي إعلان ترامب نيته التفاوض مع الإيرانيين.
حساسية التوقيت
تأتي الزيارة الحالية بعد الضربات الإسرائيلية على إيران والتي أعقبها تدخل أمريكي مباشر في الحرب استهدف المواقع النووية، ثم دخول التهدئة بين الجانبين حيز التنفيذ في الأيام الماضية.
يضاف لذلك المفاوضات الجديدة بين الكيان وحركة حماس حول هدنة ووقف الأعمال القتالية في غزة ومنح فرصة لإدخال المساعدات إلى القطاع.
الأهم في الزيارة البعد الداخلي الإسرائيلي حيث يواجه نتنياهو جلسات جديدة في فصول محاكمته، بالتوازي مع دعوات ترامب لإلغاء تلك المحاكمات تحت ذريعة أن نتنياهو قائد عظيم منح الكيان النصر، وستسمح زيارته الخارجية لأمريكا بتجنيب المحاكمة من جهة ومحاولة التأثير بها من جهة أخرى.
أبرز ملفات النقاش
لا شك أن الملفات الرئيسية التي ستكون على طاولة النقاش بين ترامب ونتنياهو، هي:
– ملف غزة ووقف إطلاق النار.
– النووي الإيراني وتطورات التعامل مع إيران.
– المشهد السوري والحديث حول التطبيع مع دمشق.
ملف غزة هو الأبرز والأهم حيث يقف نتنياهو أمام سيناريوهين في هذا المشهد، بعد الاجتماعات الخاصة التي عقدها حول ملف غزة خلال الأسبوع الماضي:
الخيار الأول: السعي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد الوساطة القطرية والضغط الأمريكي.
الخيار الثاني: تكثيف القصف العسكري على القطاع المحاصر، لزيادة الضغط على “حماس”.
لكن تصريحات ترامب وتوجهاته تمضي بالدفع باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مع إطلاق الرهائن لدى حركة حماس، وهذا ما انعكس مع ارسال إسرائيل مفاوضين إلى قطر باعتبارها راعية الوساطة في هذا الملف، حيث يبقى الخلاف الجوهري بين تحديد وقت للتهدئة (60 يوم) أو جعلها وقف إطلاق نار دائم، وبين ضغوط ترامب الجدية على القطرين والإسرائيليين لتوقيع اتفاق، وبين رسائل إسرائيلية بسعي أكثر عملية لهذا التوجه.
أما ملف إيران فكلا الطرفين يدركان أن طهران لم يتم إنهاء إشكاليتها بشكل كامل وفاعل -رغم تصريحات ترامب- لذلك فالأرجح أن نتنياهو يسعى للوصول إلى تفاهمات صريحة ومباشرة مع ترامب حول ما سيحدث إذا استأنفت إيران أنشطتها النووية، بعد أن طردت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهل سيساند ترامب الكيان إذا ما جدد هجماته على إيران.
في العمق يمكن أن نستشعر تخوفاً إسرائيلياً من مخططات أمريكية تريد إعادة إيران لمرحلة عهد الشاه كضابط لأمن المنطقة وشرطي الخليج، نظراً لارتفاع أعباء دعم الكيان الإسرائيلي، وهذا يرجح أنه من الأسباب العميقة لزيارة نتنياهو الحالية للبيت الأبيض التي تريد من جهة أخرى الضغط لمستوى أعمق يعزز مخططات تل أبيب ودورها التي ترجوه في الشرق الأوسط، أي اتفاقيات السلام.
انطلاقاً من سوريا وتحييدها وإدخال نظامها الجديد في اتفاقات السلام، لترتيب الإقليم بالتوازي مع إنهاء حرب غزة، لكن نتنياهو يواجه تحديات من قبل اليمين الإسرائيلي الذي قد يسقط حكومته.
إذن، نحن أمام تفاعلات متسلسلة في المدى القريب يمكن اعتبار بدايتها مع نجاح وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وما نتج عن ذلك من زخم، يفتح الباب أمام إحياء اتفاقات السلام الإبراهيمية، لكنها تشترط حل أزمة غزة أولاً، بشكل قد يضعنا أمام إطار عمل مصغر جديد لاتفاقيات المنطقة وفق رؤى ترامب السابقة كالتحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط وغيرها.
الخاتمة
تأتي زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض بجدول أعمال حافل في ملفات المنطقة وكرسالة على ترسيخ علاقات الجانبين من جهة وبحث الخطط المعمقة من جهة، وتصويرها كجولة نصر بعد المواجهات مع إيران ومناقشات ملف قطاع غزة، وما لم تحدث مفاجآت كالتي حدثت سابقاً مع نتنياهو في البيت الأبيض، فإن الجولة تضاف لمجموع الخطوات التي يراد من المنطقة اتباعها بعد التفاهم حول إيران ومع إيران وحل تعقيدات ملف غزة وصولاً لما يراد لاتفاقيات السلام الإبراهيمي أن توصل المنطقة له. بشكل يضمن قدرة ترامب وإدارته على ترجمة التطورات الكبرى التي يعيشها الإقليم إلى رؤية شرق أوسط جديد، سبق وعبّر عنها ترامب خلال زيارته للمنطقة.

This post has already been read 448 times!

