• نتنياهو اضطر إلى التفاوض بعدما فقد أوراق الضغط التقليدية
• غياب آلية رقابة وضمانات دولية هو العامل الأكبر وراء فشل التفاهمات السابقة
• الكيان فقد هالته الأخلاقية في العالم لأنه بدا كقتل بلا أفق سياسي
• سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري دفع الاحتلال إلى قبول الخطة
• صانع القرار الأمريكي يرى أن الصراع بين الفلسطينيين ودولة الكيان أصبح معقدا
• الاتفاقات تنهار بمجرد تغير الحسابات الميدانية للاحتلال
• غياب تصريحات سموتريتش وبن غفير دليل على رغبة إسرائيل في إقناع ترامب
• الفصائل الفلسطينية ترى في الهدن وسيلة لتحقيق مكاسب إنسانية
أعلنت حركة حماس التوصل يوم 9 أكتوبر الجاري، نجاح مفاوضات القاهرة بالتوصل إلى اتفاق يقضي بإنهاء الحرب على قطاع غزة، وانسحاب الاحتلال، وفتح المجال لدخول المساعدات، وتبادل الأسرى.
حيث أوضح بيان الحركة أن الاتفاق يحظى بتقديرها لجهود الوسطاء في قطر ومصر وتركيا، كما تُقدّر جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعي لوقف الحرب وانسحاب الاحتلال من القطاع بشكل كامل.
وفي ذات الوقت دعت الحركة إلى إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق كاملة وعدم السماح لها بالتنصل أو المماطلة في تطبيق ما تم التوافق عليه.

وكان الرئيس ترامب أعلن أن إسرائيل و”حماس” اتفقتا على المرحلة الأولى من إطار عمل للسلام يسمح بالإفراج السريع عن جميع الرهائن.
تصريح حماس الصحفي
• بعد مفاوضات مسؤولة وجادّة خاضتها الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية حول مقترح الرئيس ترامب في شرم الشيخ، بهدف الوصول إلى وقف حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة؛ تعلن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التوصّل إلى اتفاق يقضي بإنهاء الحرب على غزّة، وانسحاب الاحتلال منها، ودخول المساعدات، وتبادل الأسرى.
• نقدّر عالياً جهود الإخوة الوسطاء في قطر ومصر وتركيا ، كما نثمّن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الساعية إلى وقف الحرب نهائياً وانسحاب الاحتلال بشكل كامل من قطاع غزّة.
• ندعو الرئيس ترامب والدول الضامنة للاتفاق، ومختلف الأطراف العربية والإسلامية والدولية، إلى إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ استحقاقات الاتفاق كاملةً، وعدم السماح لها بالتنصّل أو المماطلة في تطبيق ما تم التوافق عليه.
• نحيّي شعبنا العظيم في قطاع غزّة، وفي القدس والضفة، وداخل الوطن وخارجه، الذي سجّل مواقف عزٍّ وبطولة وشرف لا نظير لها، وواجه مشاريع الاحتلال الفاشي التي استهدفته وحقوقه الوطنية؛ تلك التضحيات والمواقف العظيمة التي أفشلت مخططات الاحتلال الإسرائيلي في الإخضاع والتهجير.
• ونؤكّد أن تضحيات شعبنا لن تذهب هباءً، وأننا سنبقى على العهد، ولن نتخلّى عن حقوق شعبنا الوطنية حتى الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
تأكيدات إسرائيلية
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة 10 أكتوبر، أن الكيان “سيشهد عودة جميع الرهائن من غزة إلى ديارهم قريباً”، بعد أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 أكتوبر موافقة إسرائيل وحركة “حماس” على المرحلة الأولى من “خطة السلام”، وأكد نتنياهو أن الاتفاق يشمل إطلاق سراح الـ48 رهينة المتبقين، 20 منهم أحياء، مقابل إفراج عن نحو 250 أسير فلسطيني، مع بدء الانسحاب الإسرائيلي الجزئي من القطاع.
وأشار مصدر إسرائيلي، أن إطلاق سراح الرهائن قد بدأ بالفعل ضمن نافذة الـ72 ساعة التي انطلقت يوم الجمعة، مع توقعات باستكمال العملية خلال السبت والأحد، كما أشارت تقارير ومصادر مطلعة بأن الاتفاق يتضمن وقف إطلاق النار الفعلي في غزة، مع إدخال 4200 شاحنة مساعدات أسبوعياً وإعادة إعمار فوري، في ظل الرقابة الأمريكية عبر قوات CENTCOM التي بدأت الوصول إلى إسرائيل.

وقال مصدران إسرائيليان إن التنفيذ “يجري بسلاسة”، لكن بينما أفاد أحدهما بإمكانية إكمال الإفراج عن الرهائن خلال الـ24 ساعة القادمة، قال مصدر ثالث إنه من الممكن استكمال العملية خلال الـ48 ساعة التالية، مرجحين أن ينتهي إطلاق سراح الرهائن مطلع الأسبوع المقبل. وأكدت إسرائيل نشر قائمة بـ250 أسير فلسطيني جاهزين للإفراج، مع عودة آلاف الفلسطينيين إلى الشمال بعد انسحاب القوات الإسرائيلية.
وتعني هذه التطورات أن الاتفاق قد حصل على موافقة حكومة الكيان، حيث أعلن مسؤول إسرائيلي أن حكومة تل أبيب أصدرت بالفعل قرار وقف إطلاق النار بعد تصويت مجلس الوزراء عليه، مع تجاوز العقبات القانونية الأولية، للإشارة، فإن القانون الإسرائيلي يفرض على أي قرار بالإفراج عن سجناء فلسطينيين في إطار صفقة رهائن الحصول أولاً على موافقة الحكومة، ثم السماح بمهلة قصيرة للطعون أمام محكمة العدل العليا. وقد تم التصويت على الاتفاق، وتجاوزت الحكومة هذه العقبة بنجاح، مما سمح ببدء عمليات الإفراج فوراً.
من جهته، أصدر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين في إسرائيل بياناً يقول: “هذه خطوة مهمة، لكن كفاحنا لم ينتهِ ولن ينتهي إلا بعودة آخر رهينة”. وأعرب المنتدى عن تفاؤله المحدود، مشدداً على الحاجة إلى ضمانات دولية لاستدامة الاتفاق.
وتجدر الإشارة أن نتنياهو اضطر إلى التفاوض بعدما فقد أوراق الضغط التقليدية التي كان يستخدمها ضد الإدارات الأميركية السابقة، فبحسب كواليس المشهد الأمريكي ومزاحية ترامب، لا يستطيع نتنياهو الاختباء وراء الحزب الجمهوري أو الإنجيليين لأن ترامب يسيطر عليهم بشكل كامل، مما دفع إسرائيل إلى قبول الخطة رغم مخاوف من بقاء حماس مسلحة ورفضها للإشراف الأجنبي على غزة.
ترامب يعلن نجاح المرحلة الأولى
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منشور على منصة Truth Social، أن إسرائيل وحماس وقّعتا على المرحلة الأولى من خطتهما للسلام.
ليعرب ترامب أنه فخور بأن إسرائيل وحماس اتفقتا على المرحلة الأولى من الخطة، وأن ذلك يعني إطلاق سراح الرهائن قريبا، وأن إسرائيل ستسحب قواتها إلى خط متفق عليه كخطوة أولى نحو سلام قوي ودائم.
اللافت أن الرئيس الأمريكي أكد أنه سيعامل جميع الأطراف بشكل عادل، ووصف الحدث بأنه يوم عظيم للعالم العربي والإسلامي ولإسرائيل وللدول المجاورة وللولايات المتحدة، مع توجيه الشكر للوسطاء من قطر ومصر وتركيا الذين عملوا على تحقيق هذا الحدث التاريخي غير المسبوق.
ليست المرة الأولى
يجب أن نشير – في ظل مشاعر الفرح والابتهاج بنجاح أولى خطوات السلام في غزة- أن ما جرى ليس المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق هكذا اتفاق
فقد عاشت القضية الفلسطينية خلال العامين الماضيين جولات متكررة من اتفاقات وقف إطلاق النار، لم تعمر طويلًا رغم ما قدمته من متنفس انساني محدود لأهل القطاع.
شهدنا أولى جولات وقف إطلاق النار في نوفمبر 2023 حيث جرى التوصل إلى أول اتفاق بارز بعد اندلاع الحرب، وشهد الإفراج عن أكثر من 100 أسير، معظمهم نساء وأطفال، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين.
حينها تلك الهدنة اعتبرت خطوة إيجابية نحو تهدئة طويلة الأمد، لكنها انهارت بسرعة، وكشف هشاشة التفاهمات وغياب الضمانات الدولية الملزمة.
ثاني الجولات جرت في شهري يناير وفبراير 2024 وأنتجت حينها اتفاقًا جديدًا قامت بموجبه الفصائل الفلسطينية بإطلاق سراح 25 أسير وسلمت جثامين 8 آخرين، مقابل الإفراج عن ما يقارب 2000 أسير فلسطيني.
تلك الصفقة حينها عكست حجم الضغوط الشعبية والسياسية على الطرفين، إلا أن دولة الاحتلال أنهت الهدنة في مارس عبر قصف مفاجئ، ما أعاد الأمور إلى مربع المواجهة، وأفشل أي مسار سياسي كان قيد التشكل.
دلالات الفشل السابق للهدن
رغم ما حملته الاتفاقيات السابقة والخدمات من انفراجات إنسانية محدودة، لم تدم طويلاً، لكنها طرحت أسئلة جوهرية حول جدية الأطراف المختلفة واستعدادها للوصول إلى تسوية شاملة.
حيث تؤكد المجريات السابقة أن وقف إطلاق النار ظل أداة تكتيكية أكثر منه خطوة استراتيجية لبناء سلام مستدام، لا سيما عن الكيان الصهيوني.

الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس رأت في كل اتفاق هدنة وسيلة لتأمين الإفراج عن الأسرى وتحقيق مكاسب إنسانية لشعب غزة.. على عكس الكيان الذي يرى فيها مرحلة مؤقتة لالتقاط الأنفاس عسكرياً وإعادة ترتيب أوراقها، دون التزام واضح بوقف العدوان أو معالجة جذور الصراع.
في العمق يجب الانتباه أن غياب آلية رقابة وضمانات دولية هو العامل الأكبر وراء فشل تلك التفاهمات.. حيث لم تتوفر إرادة قوة قادرة على إلزام الاحتلال باحترام الاتفاقات، في ظل الواقع الإنساني الكارثي الذي دفع الفلسطيني للقبول بصفقات غير متكافئة.
وهذا يفسر تعهدات ترامب الأخيرة بضمان وقف إطلاق النار بعد إعادة الأسرى من جهة، ودعوة حماس لضمان التهدئة من جهة موازية.
القراءة التحليلية لنجاح المرحلة الأولى من المفاوضات
كل نقاشات الإعلام العبري من جهة وإعلام الوسطاء كذلك، توحي أن كل طرف يريد إثبات جديته أمام ترامب للوصول إلى اتفاق، مستغلين رغبة ترامب الدفينة بالظهور كصانع سلام (يسعى لجائزة نوبل للسلام) لكن تبقى المعضلة أن كلمة اتفاق فضفاضة وغير واضحة المعالم قد تفسر بحسب مصالح كل طرف (والأهم أن الصهيوني قد يستغلها لصالحه لكسر الاتفاق لاحقًا بعد انتهاء ضغط ترامب)
تنبيه: لاحظنا غياب تصريحات سموتريتش وبن غفير وهي تقدم دليلًا واضحًا أن الكيان أراد أن يقنع ترامب أنه لم يقم بالتشويش، ولكن التجارب السابقة تعزز فرضية أنهم يريدون الأسرى ثم تفسير التفاصيل على طريقتهم وانتهاكٌ كما حدث في اتفاق يناير.
في الكواليس فإن خطة ترامب تمثل محاولة جديدة لتغيير قواعد اللعبة بين وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن، وتبادل الأسرى، وانسحاب جزئي من غزة، وتشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراطية برعاية عملية إقليمية، مع إشراف الولايات المتحدة على إعادة الإعمار عبر هيئة دولية.
حيث يرى صانع القرار الأمريكي أن الصراع بين الفلسطينيين ودولة الكيان أصبح معقّداً إلى درجة أن حلها تقليديًا صعب ويتطلّب إدارة دولية تشرف على غزة والضفة معاً وتضمن نزع السلاح وبناء سلطة فلسطينية وفق معاييرهم.
لكن التحديات هائلة؛ فحماس ترغب في الاحتفاظ بجزء من سلاحها لأسباب داخلية، وإسرائيل تتخوف من فراغ أمني مع أي انسحاب ميداني.
وفي عمق المشهد والجولات السابقة تؤكد أن المعضلة ليست في عقد التفاهمات بل في غياب الإرادة السياسية والالتزام الدولي. فالاتفاقات تنهار بمجرد تغير الحسابات الميدانية للاحتلال، يبقى فيها الفلسطينيون الخاسر الأكبر في ظل استمرار الحصار والعدوان، وغياب تموضع عربي إسلامي فاعل يجب أن يرفع دوره بعد هذه التطورات.
ختامـًا: يبقى تخوف نتنياهو من المحاكمة هو المحرك الرئيس عنده لإطالة الحرب وقد نجح سياسيًا بسبب ولاء أنصاره وخطط اليمين الإسرائيلي الذي التقى مع تطلعات نتنياهو الذي مزّق المجتمع الإسرائيلي داخلياً.. وفقد الكيان هالتها الأخلاقية في العالم لأنه بدا كقتل بلا أفق سياسي.

This post has already been read 418 times!

