• لجوء واشنطن للحل العسكري يوحي بفشل الأمريكان في حل الأزمة النووية الإيرانية دبلوماسياً
• الهجمات العسكرية قد تدفع طهران لخيار المواجهة واستهداف الأصول الأمريكية القريبة من إيران
التمهيد
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بهجمات مباشرة في داخل الأراضي الإيرانية فجر الأحد 22 يونيو الجاري، وهي الهجمات التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالناجحة للغاية حيث ظهر في بث مباشر من البيت الأبيض كي يعلن للرأي العام “نجاح العملية” التي لا يمكن لأي جيش في العالم القيام بمثلها، وفق تعبيره.
واستهدفت الضربات الأمريكية مواقع نووية إيرانية وعلى رأسها مواقع “فوردو” – “نطنز – أصفهان.
تناقش هذه القراءة تقويماً للضربة الأمريكية والخيارات والسيناريوهات المطروحة.
المحور
تقويم الضربة العسكرية سلباً أو إيجاباً
مع إعلان الرئيس ترامب نجاح العملية إعلامياً، لكن الواقع يخبرنا أن تقويم الحالة الراهنة للأنشطة النووية الإيرانية ومراجعة المواد النووية، خصوصاً اليورانيوم المخصب قبل الحرب، يتطلب بعض الوقت وأنشطة مختلفة تتضمن تفتيشاً خاصاً من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يصعب إنجازه في ظل استمرار الحرب من جهة وتعنت إيران بعد الضربة من جهة أخرى.
كواليس اتخاذ قرار الضربة
حضر المؤتمر الرئاسي الذي أعلن الضربة رفقة الرئيس ترامب، كل من نائب ترامب جي دي فانس وحضر وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيجسيث، لكن تغيب عن الحضور المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
تحمل تراتبية الحضور رسالة مبطنة أن قرار شن الحرب على إيران اتخذ بالإجماع في القيادة العليا للبيت الأبيض من جهة، وأن المبعوث الخاص ويتكوف، غير راض عن الضربة أو أنه أبعد عن قرار الحرب مع إيران لإبقائه في حال عودة المفاوضات.
ويجب أن نضع بالحسبان أنه حتى قبل انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية نفسها ضد إيران يوم 13 يونيو الجاري، كان تقييم الاستخبارات الأمريكية أن طهران لم تحسم قرارها في تصنيع قنبلة نووية – عكس تصريحات نتنياهو- وكانت بحاجة عدة أشهر لجمع ما يلزم للقيام بإنتاج نووي عسكري.
ترامب يتجاوز القانون الأمريكي
لم يحصل الرئيس الأمريكي على تفويض قانوني من الكونغرس ببدء الهجوم على إيران بحسب ما يشترطه القانون والدستور الأمريكي ما يعني إقدام ترامب على انتهاك مقصود للقانون الداخلي الأمريكي.
ويمكن القول إن ذلك جرى – بحسب سكوت الكونغرس – في ظل رغبة عارمة لتحقيق الهدف المتفق عليه داخلياً في كواليس السياسة الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين، لضرورة تحييد إيران من أمام طريق مواصلة أمريكا سيادتها على النظام الدولي، حتى لو جرى ذلك بعمل يخالف القانون.
انعكاسات الضربة إيرانياً
يتوقع أن الهجمات العسكرية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني مؤقتاً.. لكن الأخطر أنها تعزز رؤية طهران وبعض أجنحتها الداخلية أن الأمريكان رافضون للحلول الدبلوماسية ويريدون إخضاع الإيرانيين – وهذا ما عكسته خطابات المسؤولين الإيرانيين بعد الضربة – وأن امتلاك السلاح النووي ضروري للردع، مثل الحالة الكورية الشمالية.
عموماً، تجدر الإشارة إلى أن تقديرات طهران أن الهجمات العسكرية الأمريكية وحدها لا يمكنها القضاء على المعارف النووية المتزايدة التي امتلكها إيران.
أي أن الإيرانيون غالباً يعرفون أن الهجمات قد تعطل البرنامج النووي مؤقتاً، لكن ذلك سيعزز رغبة طهران ببناء أنشطتها النووية، كانسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية “NPT”، والذهاب الفوري نحو إنتاج السلاح النووي، نظراً أن القوة هي من يحكم المشهد الدولي حالياً.
وللتنبيه، الهجمة العسكرية الأمريكية ستدعم وجهة نظر التيار المحافظ في إيران أن واشنطن تحكمها عقلية متوحشة لا يمكن التفاوض معها والأفضل التصعيد، وهذا ما نفهمه من تصريحات رئيس تحرير صحيفة كيهان الأصولية المعروف بقربه الشديد من المرشد الإيراني حسين شريعتمداري، بأنه الآن جاء دور إيران لترد من دون تأخير، وكخطوة أولى يجب أن تُمطر الأسطول البحري الأمريكي في البحرين بوابل من الصواريخ، وأن تُغلق في الوقت ذاته مضيق هرمز أمام السفن الأمريكية، والبريطانية، والألمانية، والفرنسية.
الخاتمة
لجوء واشنطن للحل العسكري يوحي بفشل أو استسلام الأمريكان أمام الحلول الدبلوماسية لحل الأزمة النووية الإيرانية وقد يدفع طهران لخيار المواجهة والانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية واستهداف الأصول الأمريكية القريبة من إيران.
من جهة أخرى وفي العمق ما جرى قد يهز ثقة بقية دول العالم بمنظومة منع انتشار السلاح النووي ويعزز رغبات كثير من الدول لتملك سلاح نووي رادع لأي هجمات قوى نووية أخرى.
This post has already been read 551 times!

